واقع المجتمعات الإسلامية ومستقبلها في ظل التحولات السريعة
وتحديات التواصل العالمي
بقلم الدكتور / محمد طه
كلية التربية – جامعة طنطا
ثمة عدة مفاهيم تجد نفسها في حاجة إلي إعادة صياغة ، ولاسيما في ضوء مايعرفه العالم عموما ، والعالم الإسلامي علي وجه الخصوص ، من تقلبات تواكب حركية العولمة علي اختلاف تجلياتها ،من هنا تتبادر إلي اذهاننا أسئلة حول نجاح الثقافة الإسلامية ، ووظائف الآليات الديمقراطية ، وفعالية العولمة التي انتجت الرأسمالية المتسلطة وأهمية الفاعل في صناعة ومحاربة الظواهر المجتمعية السلبية ، في الوقت نفسه كيف يمكننا فهم مايجري في مجتمعاتنا الإسلامية ..هل من سوسيولوجيا وسيكولوجيا وانثروبولوجيا ودراسات استراتيجية تمكننا من فهم مايجري في عالمنا الإسلامي ؟
هل نقدم ضريبة انخراطنا في العالم وفي العولمة ؟ أم أننا ندخل التاريخ المعاصر من بابه الواسع ،وذلك بتدشين القرن الحادي والعشرين بثورات عربية مختلف حول أهميتها وجدواها …هنا ينبغي أن نحدد نصيب العولمة ونظامها الرأسمالي مما يجري في عالمنا الإسلامي لنجيب عن أسئلة عديدة تعبر عن قلق فعلي يساور أبناء المجتمع الإسلامي حول واقع المجتمعات الإسلامية ومستقبلها في ظل التحولات السريعة التي يعيشها العالم حاليا علي مختلف الأصعدة ، ولابد هنا أن نحدد كيفية إجتياز العالم الإسلامي لهذه المرحلة ، مرحلةتغيير الأفراد المكلفين بإدارة الرهانات الإجتماعية.
ولقد مكن هذا التغيير في الوقت نفسه من إحداث تغييرعلي مستوي مكانة العالم الإسلامي في العالم ، ويبقي علي هذا الهدف الإصلاحي أن يحدد المجتمع الذي يسعي إلي إقامته والوسائل التي سوف يستعملها لتحقيق خياراته حتي يكون حاضرا للتصدي لتحديات العولمة وبالتالي استخلاص العبر الكفيلة بتمكين المجتمعات الإسلامية من تقوية أسس الترابط الإجتماعي والعيش المشترك في ظل أوضاع داخلية تتميز في جزء مهم من الدول الإسلامية بعدم الإستقرار السياسي وأخذ الأزمة المالية والإقتصادية في الإعتبار ، بالإضافة إلي زعزعة المرجعيات المرتبطة بالقيم الثقافية وبالهوية الدينية .
فعالمنا اليوم يشهد حقبة من التغيرات وبناء العديد من الأدوار الجديدة والتشكيلات الحديثة في المجالات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية ، وعلي الرغم من الظروف المنافسة إزاء النظام العالمي الجديد بين منخرطين فيه ومتخذين بعض المواقف منه أو حتي الرافضين له رغم قلتهم اليوم ، حيث تحاول بعض الدول الحفاظ علي استمراريتها وتنمو دول أخري وتحاول أن تأخذ أماكن جديدة في ظل الظروف المتغيرة التي يعيشها العالم حاليا .في خضم هذه العملية ازداد التواصل في كفائته وقوته مع الأبعاد التكنولوجية التي تجري في طريق مخالف للشكل التقليدي القديم .فتكنولوجيا المعلومات والإتصالات كونها نتاج هذه الفترة الجديدة ، تخلق فرصا جديدة لكل من الأفراد والمنظمات .
إن العولمةهي التي تدفع التغيرات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية في جميع أنحاء العالم ، فقد تم حل الحدود الإقتصادية بين الدول والشعوب ، وسهلت الحرية المتبادلة للحركة بينها ، لقد حولت العالم كله إلي سوق واحدة ،وأحدثت تغييرات في موازين القوي ، كما تلعب العولمة دورا بارزا في عملية التحول من قطاع الصناعات التحويلية إلي قطاع الخدمات، هذا التغيير يشير أيضا إلي أنه تحول مابعد الحداثة والتي تتميز أساسا بالمعاملات التجارية العالمية وتكنولوجيا المعرفة والمعلومات .
لقد أصبحت الحاجة إلي إعادة النظر في هذه التطورات ، والهياكل ، والظواهر المتطورة في العالم واضحة ،وبدأت المنظمات ممارسة الفحص الذاتي في كل منطقة ، وشهد العالم تحولا سريعا خلق ديناميكية متعددة الأوجه من ناحية التغيير ظهرت نتيجة للعولمة والأسس التي يقوم عليها النظام العالمي في عصرنا . فهذا التغيير لايقتصر علي منطقة جغرافية معينة أو مجتمع معين ، بمعني أنه لايقتصر علي زمان ومكان معينين ، بل علي العكس من ذلك ، فهو مستمر في كافة المجالات التكنولوجية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية والإدارية .
ودعونا نسأل هل الظواهر الإجتماعية يمكن تفسيرها بنظرية الإختيار العقلاني ، أي باعتباره فعلا استراتيجيا له محفزاته الذاتية والموضوعية ؟وماهي المنافع التي يحققها المشاركون فيها ؟ بمعني آخر هل التفاعل مع الظواهر والقضايا المجتمعية هو فعل عقلاني ؟
إن السلوك العقلاني هو الركن المعنوي لأي ممارسة إجتماعية ويتمثل في التصور الإستراتيجي للأفعال التي نقوم بها في حياتنا اليومية ، ويشكل السمة المميزة لأي ممارسة عن أخري ، وبالإضافة إلي بعد الإختيار العقلاني ، نجد من جهة أخري أن هناك أبعادا أخري يمكن من خلالها فهم الظواهر والتحولات الإجتماعية ترتبط بما يسمي بنظرية التعاقد الضمني حيث يتم التركيز فيها علي دور التبادل في تفسير قواعد التفاعلات الإجتماعية التي تظهر عند جماعة من الأفراد . ومن هنا يمكن إعتبار السلوكيات الفردية والإجتماعية المصاحبة لظاهرة العولمة علاقة بين أربعة جوانب السيكولوجيا السلوكية ، الإقتصاد ، ديناميات التأثير والتأثر ، بنية الجماعات .
ولكن كيف يمكن للمجتمعات الإسلامية التعامل مع هذا الموقف والخروج من حالة الفوضي التي تعيشها في هذا القرن ؟ فالمجتمعات الإسلامية تعاني من غياب الديمقراطية الكاملة الحقيقية ، وتعاني من أزمات إجتماعية حادة ، وتفاقم للتبعية الإقتصادية والمالية والتكنولوجية ، ومحاولة خلخلة مرجعياتها الثقافية ،مما يزعزع الأسس التي يقوم عليها الرابط الإجتماعي والعيش المشترك،وكيف يمكنها تحقيق التواصل العالمي مع الحفاظ علي المخزون التراثي والثقافي وتنميته وتحقيق الإختيار والتطور الثقافي الخاص بها .
هذا ماسوف نتناوله في المقال القادم ….. فتابعونا .