لماذا يتخوف المصريون من قانون تأجير المستشفيات الحكومية؟
” تأجير ” المستشفيات في مصر…قانون يثير جدلا والحكومة تنفي بيع منشآت صحية
بسبب قانون “تأجير المستشفيات”.. نداء عاجل لرئيس الجمهورية من أطباء مصر
كتب- اشرف عبوده
وافق مجلس النواب ، نهائياً على قانون «تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية»، والمعروف إعلامياً بقانون «تأجير المستشفيات» الحكومية للقطاع الخاص، وذلك بعد يومين من مناقشات مشروع القانون الذي رفضته نقابة الأطباء وعدد من النواب، بوصفه «يهدد استقرار الأطقم الطبية»، بينما يثير مخاوف من «عدم حصول المواطنين على خدمات علاجية بسعر مناسب».
ووافق البرلمان بأغلبية نوابه على مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء في فبراير الماضي، والذي يتيح للحكومة إمكانية منح امتياز إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية المختلفة لمستثمرين مصريين أو أجانب. وهو القانون الذي أدخلت عليه لجنة الصحة بالمجلس تعديلات عدة، منذ أبريل الماضي، قبل عرضه على الجلسة العامة لمجلس النواب.
وتضمَّن مشروع القانون ألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عاماً، مع عودة جميع المنشآت الصحية، بما فيها من تجهيزات وأجهزة طبية لازمة لتشغيلها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام، دون مقابل وبحالة جيدة، بينما استبعد المجلس كلاً من «مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية»، و«صحة الأسرة»، و«عمليات الدم وتجميع البلازما» باعتبار أن لها بعداً قومياً، وفق تصريحات رئيس لجنة الصحة بالمجلس الدكتور أشرف حاتم.
وأقر المجلس القانون على الرغم من رفض نقابة الأطباء له، وإرسال نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي خطاباً إلى البرلمان تضمَّن تأكيده غياب ضمانات التزام المستثمر بنسبة علاج مرضى التأمين الصحي، والعلاج على نفقة الدولة، مطالباً بقصر القانون على بناء مستشفيات خاصة جديدة، وليس منح المستشفيات الحكومية الموجودة للمستثمرين لإدارتها وتخارج الدولة.
لكنّ عضوة لجنة الصحة بالبرلمان عبلة الألفي، تؤكد أن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة، مع النصوص القانونية الواضحة التي لا تقبل التأويل، وتتضمن استمرار تقديم الخدمة للمواطنين بالنسب التي يتم الاتفاق عليها، على أن تتحمل الدولة سداد الفارق للمواطن، بين ما يدفعه في العلاج المجاني بهذه المستشفيات بعد التطوير وبين التسعير المحدد لتقديم الخدمات في المستشفى.
وأضافت عبلة الألفي أن إقرار القانون جاء في إطار السعي لتحقيق الالتزام الدستوري، بتقديم رعاية صحية لائقة وجيدة للمواطنين، لافتة إلى أن هناك نصاً واضحاً في القانون يتضمن سحب امتياز الإدارة والتشغيل من المستثمر، حال مخالفته للقواعد التي جرى الاتفاق عليها عند التعاقد، وبشكل فوري.
لكن النائب ضياء الدين داود يُبدي مخاوف من أن يطول هذا الأمر المستشفيات التي تقدم خدمات لمرضى الأمراض المزمنة ومرضى الأورام؛ خصوصاً في ضوء غياب أي استثناءات للمستشفيات التي تمس قطاعاً ليس بالقليل من المواطنين، وتقوم وزارة الصحة بإدارتها.
أكدت النائبة أميرة أبوشقة عضو مجلس النواب أنها ترفض مشروع قانون إدارة وتشغيل المنشآت الصحية، الذي وافق عليه البرلمان اليوم الأحد، من حيث المبدأ. وأوضحت أننا لسنا ضد الاستثمار، بل على العكس، نشجع وندعم أي استثمار حقيقي، يضيف للدولة، لكن الحكومة سلكت مسارًا خاطئًا منذ البداية، وأقحمت نفسها في كل كل كبيرة وصغيرة، وهمَّشت القطاع الخاص بشكل كامل خلال السنوات الأخيرة.
وتساءلت: هل اكتشفت الحكومة فجأة أهمية دور القطاع الخاص في الحياة، بعد أن تعمدت إهماله وتجاهله وتهميشه على مدار أعوام. وأوضحت النائبة أن الاستثمار الحقيقي – خصوصًا للأجانب – يكمن في عدم الاستحواذ أو احتكار أو امتلاك المستشفيات العامة، لأن ذلك سيشكل خطرًا حقيقيًّا، فلماذا لا يقوم المستثمر الأجنبي بالاستثمار الفعلي على أرض الواقع، من خلال بناء مستشفيات جديدة أو استكمال بناء مستشفيات أهلية، توقف العمل بها بسبب عدم توفر السيولة المالية، لإكمال وإنجاز ما تبقى؟
وتابعت: كيف يمكن أن نمنح التزام تشغيل وتطوير المستشفيات الحكومية القائمة للقطاع الخاص، ضاربين عرض الحائط بالقانون رقم 129 لسنة 1947، الذي يضع قيودًا صارمة على المنظومة الصحية، لكن الحاصل الآن فيما تعتزم الحكومة تمريره عبر البرلمان، هو تحويل المنظومة الصحية، من حق أصيل وفقًا للمادة (18) من الدستور، إلى سلعة تجارية قابلة للربح والخسارة، وليست حقًّا أصيلًا وأساسيًّا لكل مواطن، فهل حكومة مصر لم تعد قادرة على إدارة مستشفياتها الحكومية؟
وأضافت: ما نراه الآن هو أن الحكومة تقر أمام مجلس النواب بأنها فشلت فشلًا ذريعًا وأقرت بعدم قدرتها على إدارة المنظومة الصحية، وتكتفي فقط بدور البائع لأصول المستشفيات للقطاع الخاص والمستثمرين، وذلك أمر خطير ينذر بانتقاله إلى سوق الدواء، والتعليم، وباقي القطاعات الأخرى.
وأعربت النائبة عن بعض المخاوف بشأن هذا القانون، خصوصًا ما يتعلق بزيادة كلفة علاج المرضى، والقضاء على المجانية، وتأثير ذلك على الدواء.
ناشدت النقابة العامة لأطباء مصر، برئاسة د. أسامة عبد الحي، رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، باستخدام صلاحياته الدستورية، بعدم التوقيع، على قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، أو ما يعرف ب “تأجير المستشفيات”، والذى وافق عليه مجلس النواب مؤخراً.
وتنص المادة “123” من الدستور على أنه: “لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه، فإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد اُعتبر قانونا وأصدر، وإذا رد فى الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثى أعضائه، أعتبر قانونًا وأصدر”.
وقالت النقابة العامة للأطباء، إن القانون الذي وافق عليه مجلس النواب يهدد سلامة وصحة المواطن المصري واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أي ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين المصريين خاصة محدودي الدخل، ولالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، كما أن القانون لا توجد به أي قواعد لتحديد المستشفيات التي يتم طرحها للإيجار.
وأكدت نقابة الأطباء ترحيبها بتشجيع القطاع الخاص للمشاركة في تقديم الخدمات الصحية، وإنشاء وإقامة مستشفيات خاصة جديدة تضيف إلى الخدمة الصحية، وتذليل العقبات كافة في تسجيل وترخيص المنشآت الصحية، ومنح المستثمرين حزمة من الحوافز التي تشجعهم على بناء مستشفيات جديدة، وليس بتأجير المستشفيات الحكومية القائمة والتي تقدم خدماتها للمواطن المصري وبالأخص محدود الدخل.
وأشارت إلى أن قانون الحكومة يهدد استقرار 75% من العاملين بالمنشات الصحية التي تنوي الحكومة تأجيرها، حيث أن القانون أتاح للمستثمر أن يستغني عنهم وأن يعاد توظيف هولاء العاملين من الأطباء والتمريض والإداريين بمعرفة وزارة الصحة في أماكن أخرى.
وأبدت نقابة الأطباء، تخوفها من جلب المستثمر لأطباء من خريجي جامعات غير معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات والتي قررت نقابة الأطباء في جمعيتها العمومية عدم قيدهم بسجلاتها، موضحة أن القانون أجاز لوزير الصحة أن يمنح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأطباء الأجانب للعمل فقط داخل المنشأة التي يستأجرها المستثمر، متخطياً بذلك الإجراءات المعمول بها في منح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأجانب والمنصوص عليها في القوانين السارية المتعلقة منها قانون نقابة الأطباء رقم ٤٥ لسنة ١٩٦٩ وقانون مزاولة مهنة الطب رقم ٤١٥ لسنة ١٩٥٤ وتعديله بالقانون ١٥٣ لسنة ٢٠١٩.
وتضمَّن القانون إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25 في المائة، حداً أدنى قابلاً للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، وبشرط موافقتهم، مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية لهم ولغيرهم من العاملين الذين سيتم نقلهم لجهات أخرى، وهو البند الذي عدَّه أمين صندوق نقابة الأطباء، الدكتور أبو بكر القاضي، أن مشروع قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، أو ما يعرف بمشروع قانون “تأجير المستشفيات”، سيؤثر علي المريض المصري وبخاصة محدودي الدخل، كما أنه يهدد استقرار 75% من الأطقم الطبية بتلك المستشفيات؛ لأنه يعطي الحق للمستثمر الاستغناء عنهم، وبعدها يعاد توزيعهم دون مراعاة للظروف الاجتماعية والأسرية لهؤلاء، مما يزيد معاناة الأطقم الطبية ويؤدي لزيادة وتيرة الهجرة إلى الخارج.
وأضاف القاضي موجها رسائله إلى مجلس النواب، الذى يناقش القانون خلال جلسته العامه اليوم، أن القانون أغفل حق المريض المصري في الحصول على العلاج والرعاية الصحية وفقا لما نص عليه الدستور، لافتا إلى أن المستثمر يستهدف بالأساس الربح- وهذا حقه-، بالتالي من يضمن توفير العلاج للمريض؟.
ولفت إلى أن الإنسان يستطيع التقشف في المأكل والمشرب، وتحمل مختلف الأعباء، لكن عند المرض ماذا يفعل؟، مشددا على أن صحة المواطن المصري خط أحمر، ولا تكون أبدا وسيلة لحل المشكلات الاقتصادية والإدارية بوزارة الصحة.
وتابع:” نحن لسنا ضد الاستثمار في المجال الطبي سواء المصري أو الأجنبي، ولكن مع إنشاء مستشفيات جديدة وإضافة أسرة، لتضيف للمنظومة الصحية بالكامل، لكن تطوير المستشفيات الحكومية دور الحكومة، ومن حق المريض الحصول علي خدمة طبية بسعر متاح تحت نظر الحكومة وليس المستثمر.
وأوضح وزير الصحة خالد عبد الغفار أن السماح للقطاعين الخاص والأهلي بالمشاركة في تقديم خدمات الرعاية الصحية ليس انسحابا حكوميا من دورها، وإنما يسهم في التطوير وتقديم خدمات أفضل، وتحفيز بيئة الاستثمار.
وأكد أن طرح المنشآت الصحية على القطاع الخاص سيكون عبر قنوات كثيرة، تنتهي بإصدار عقد التزام بقرار من مجلس الوزراء، ولن يكون مسؤولية الوزير المختص بمفرده.