لا تجعل المال فوق رأسك فيدفنك في الأرض
بقلم/ اشرف عبوده
يقال أن “الفلوس تغير النفوس” وهو ما أشعر به أكثر يوماً بعد يوم في تعاملاتي المالية ، المال قد يكون أحد أسباب السعادة ولكنه ليس السبب الوحيد فالسعادة يمكن أن تأتي بغير المال وذلك من خلال ما منحه لك المولى من نعم متعددة كالزوجة الصالحة والولد البار والرزق المبارك ومحبة الناس لك وزوال الحقد والحسد من قلبك وقناعتك بما وهبه الله لك فمن أراد أن يمتلك كل شيء فقد كل شيء.
يطلق على المال مسمى عصب الحياة، وذلك لأهميته البالغة في تلبية الحاجات وتحقيق المنافع، ولدوره الكبير في بناء الأمم والحضارات. رغم أنني في عصرنا الحالي، أرى له دوراً أكبر في هدم الحضارات وقتل البشر، كما هو الحال في الحروب الحالية، حيث سخرت الأموال لشراء أحدث الأسلحة التي تفتك بالإنسانية.
إن المال سواء كان كثيراً أم نزراً قليلاً، إلا أنه يتحكم في حياتنا وبقوة، ويجعلنا نستمر في القيام بأعمال لا نحبها، ونستمر في وظيفة لا تناسبنا ونزهق أنفسنا في أداء مهمات تبتلع حياتنا، ففي بداية حياتي المهنية كنت أنظر أي الأعمال أحب القيام بها لكي أبدع فيها، واليوم أصبحت لا إرادياً أنجرف مع التيار لأرى أي المهن تعود علي بمبالغ أكبر
هل صحيح أن الفقر هو سبب كل المشاكل الحاصلة وهو الذي يولد الجرائم والحقد المجتمعي ويدفع الناس إلى الكراهية والسخط على البلد وأحولها، هل بمجرد أن تمنح أحدهم مقدارا من المال فإنه يتغير للأفضل ويصبح سعيدا وتتغير طباعه ونفسيته للأحسن ثم يملأ وقته بكل ما هو مفيد وينسى الحقد والكراهية التي كان يحس بها تجاه مجتمعه أو تجاه الأغنياء، ويمحي جميع الأفكار السوداوية أو الإجرامية التي فكر فيها وهو في قمة تعاسته؟.
المال اليوم يمكن أن يجلب أي دواء في العالم ولكنه في الوقت نفسه لا يمكن أن يقدم لصاحبه العافية، والمال يمكن أن يوفر كل الفُرُش الوثيرة ولكنه قد لا يمكنه أن يوفر النوم الهانىء والمال أحيانا يمكن أن يساهم في الحصول على كثير من الولاءات المختلفة ولكنه لايمكن أن يحصل على محبة القلوب الصادقة أو القناعات المنطقية .
يقول أحد الحكماء (لا تجعل المال فوق رأسك فيدفنك في الأرض، واجعله تحت قدميك ليرفعك عن الأرض)، وقد تأملت في هذه العبارات الجميلة ووجدتها فعلاً نموذجاً رائعاً ووصية عظيمة بشأن المال والذي كاد أن يستولي على حياتنا وأن يصبح الهاجس الأوحد لكثير من الناس والذين لم يتمكنوا من معرفة الطريقة المثلى للتعامل مع المال ولم يعرفوا كيف يواجهون التحديات التي يوجدها المال سواء عند وفرته وسيولته أو شحه وقلِّته.
جميع الذين يحرصون على المال ويبذلون كل طاقتهم في جَمْعه وتخزينه والحرص عليه حتى تشعر بأن المال تملك منهم وأصبح في قلوبهم وملك عقولهم فأولئك يدفنهم المال مع مرور الوقت، أما أولئك الذين جعلوا المال في أيديهم وسيطروا على جوارحهم فعرفوا حقيقة المال وتمكنوا من تسخيره لكل ما فيه خير ونفع للبلاد والعباد، فمثل أولئك يصبحون رموزاً بين الناس، إذ إن القدرة على التحكم في المال تعد نعمة عظيمة لايملكها كثير من الأثرياء.
الجديد فى تجده نغمة من يمتلكون المال هو تهديد أبناءهم بالحرمان من الميراث وينبغي أن يعلم كل أب أن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين عباده، وطاعة الابن لأبيه ليست مسوغاً للأب في ظلم ابنه، فكثير من الآباء -للأسف- يخلط بين حق الطاعة من الأبناء وبين استمرائهم للظلم وإيقاع الأذي النفسي والمادي بهم، فالظلم حرام من الوالد والولد، ولكن الرد على هذا الظلم لا ينبغي أن يصل إلى الإساءة للوالد أو انتقاص المكانة التي جعلها الله له، نعم يمكن أن يبين له أن هذا ظلم لا يجوز ولكن لا نرد الظلم بمثله.
ليس له أن يحرم أحدًا من الورثة من حقه، وليس له أن يوصي لأحد بزيادة؛ لقول النبي: ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم” ، فليس للأب أن يجور في العطية .
من المعلوم أن حرمان الابن من الميراث لا يجوز بغير مبرر شرعي, والمبرر الشرعي المانع من الميراث جاءت الشريعة ببيانه وهو القتل أو الكفر أو الرق, فمتى كان الولد قاتلاً لأبيه أو كافرًا أو رقيقًا فإنه لا يرث والده, وهذه يسميها الفقهاء بموانع الإرث, ولم يأت في الشريعة أن العقوق – مع كونه كبيرة من الكبائر ولا شك – مانع من موانع الإرث, وإذا كان الأمر كذلك فلا يمكن لنا أن نفتيك بجواز حرمان ابنك من الميراث لكونه عاقًا لأننا حينئذ نكون شرعنا ما لم يشرعه الله تعالى – نعوذ بالله من ذلك – وعليه فلا يجوز لك أن تفعل ما يؤدي إلى حرمان ذلك الولد من الميراث, لا سيما أنه من الممكن أن تسترد البيت الذي أخذه منك عن طريق القضاء, ونوصيك بأن تكل أمره إلى الله تعالى, ولا تدري لعل العاق يصير بارًا, والبار يصير عاقًا, والقلوب بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء.
فإن الإسلام دين الحق والعدالة، ودين لا يقبل الظلم، ووضع أشد العقوبة للظالمين؛ فالظلم ظلمات يوم القيامة، وربنا عز وجل أعطى لكل صاحب حق حقَّه، وجعل حدودًا لا يتعداها إلا من ظلم نفسه، ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]
ربنا عز وجل قال في كتابه: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]، وبيَّن ربنا عز وجل أنَّ الميراث أمرٌ من أوامره .
اخير احب اقول فى مقالى : ان المال غاية وليست وسيلة… المال لا يصنع عقلك … المال لا يأتي لك بالعافية ان كنت مصابا و يأئس ولا تعرف النوم ليلأ ..المال لا تستطيع به كسب ومحبة القلوب الطيبة … المال لا يأتي لك بحبيبة مخلصة صبورة …. المال لا يرجع لك احبابا رحلوا ولن يعودوا … والله راحة البال لا تشترى بكنوز الدنيا والعافية لا تقدر بثمن فكم من فقير وجائع والابتسامة على وجهة تشعرك بالحب والطمأنينة .