اشرف عبوده

مواقف البشر … بقلم / اشرف عبوده

مواقف البشر

بقلم / اشرف عبوده

رئيس التحرير التنفيذى

 

 

هناك مواقف تصهر الإنسان، تجعله يدخل في دهاليز مظلمة أو مؤلمة، لكنه يتعلم شيئاً جديداً، كولادة جديدة، يدرك بعدها قيمة الأشياء والمواقف والبشر، لكل تجربة يخوضها الإنسان تعلمه شيئاً «ما»، وتضيف إلى حياته الشيء الكثير، سواء أكان إيجاباً أم سلباً.

الأحداث والمواقف متغيرة وعدة، بين الجميل منها والمحبط والصادم. وكذلك نفسيات البشر أيضاً متغيرة، لا شيء يثبت على حال، فكم من العلاقات انتهت، وكم من علاقات تعارف بين البشر ابتدأت مصادفة، على رغم أنه لا يوجد شيء اسمه صدفة، كل شيء مقدر ومكتوب.

المواقف الصعبة تسقط الأقنعة وتبدو الأمور واضحة وتظهر الوجوه كما هي، في المواقف الصعبة تعرف من حولك وتعرف مدي قربهم وبُعدهم. كم هو مؤلم أن تكون الظروف الصعبة هي الوسيلة الوحيدة لكشف حقيقة من ادعى المحبة والود والإخلاص والصداقة

المواقف باختلافها تترك أثرها إيجاباً أو سلباً مدى الحياة. الإنسان كلمة، الإنسان فعل, الإنسان كلمة وفعل، الإنسان موقف. الإنسان مجموعة أحاسيس ومشاعر وقيم. الإنسان تبقي في ذاكرته تلك المواقف التي مرّ بها وتمتع بها ويبقي يذكرها لفترة طويلة، بسبب إعادة التفكير بالأحداث ونتائجها مرارًا وتكرارًا. المواقف الصغيرة لها صدى كبير عند الإنسان الذي يُقدّر المواقف. ليس هناك مقياس يحدد درجة قوة وضعف الموقف. أحياناً نقوم بمواقف مع الآخرين دون قصد، مواقف إيجابية تترك الأثر الطيب، وأحيانا أخري نقوم بمواقف سلبية تهز جدار العاطفة وتترك أثرًا غير طيب.

لكن في كل شيء يوجد بصيص من النور من الأمل، لا شيء يدوم على حال، فالحياة بطبيعتها متغيرة، هذا البصيص من الأمل هو حرية الاختيار، فالإنسان يستطيع أن يختار ماذا يريد فعلاً كرد فعل؟ هو لا يستطيع أن يغير ما حدث، لكنه يستطيع أن يحافظ على رد فعله المتوازن والمتعقل، وأيضاً المتفائل والإيجابي؛ لأنه يمتلك زمام أمور نفسه، ولديه القدرة على تجاوز أصعب المواقف، متى ما آمن بقدراته الداخلية، متى ما آمن أنه يستحق أن يعيش حياة سعيدة وجميلة، هنا سيكون اختياره موفقاً وإيجابياً.

نسمع الكثير من الحكايات والقصص، كيف أن هناك من هزم المواقف المؤلمة بقوة الصبر والعمل والتخلص من الوقوف والانتظار، فلم يجلس مكتوف اليدين، عرف السر في المفهوم والاعتقاد لديه، كيف هي وجهة نظره للحياة، هل هي ظالمة أم معطاءة؟ عرف أن الله -عز وجل- لا يظلم أحداً، وأن الإنسان مخير في السير بأي طريق يريد، طريق النور أو طريق الظلام، طريق العزيمة والعمل والخروج من دائرة الإحباطات والصدمات، أو القنوع في دائرة البؤس والإحباط، نعم كل ذلك بيد الإنسان.

إذا التركيز أولاً ما هي أفكار الإنسان؟ هل هي أفكار متفائلة أم متشائمة؟ لأن الأفكار لها قدرة عجيبة في التأثير على مشاعر الإنسان، إن كانت أفكاراً جميلة كانت أيضاً المشاعر جميلة، وإن كانت الأفكار محبطة كانت أيضاً المشاعر محبطة، ولن يقف ذلك إلى هنا، بل سيمتد إلى أفعال وتصرفات، لا بد أن ندرك حقيقة أن الأفكار تؤثر على المشاعر والمشاعر تؤثر على التصرفات، من هنا على الإنسان أن يصحح النظرة لهذه الأفكار، بأن تصبح متفائلة على رغم الظروف، ولو فكر قليلاً أن لديه خيارين سلبي وإيجابي، فلماذا يجعل أفكاره تأخذ منحنى يدمر يومه وحياته، وما يغيب عن بعضهم أن الأفكار الإيجابية تجذب كل شيء إيجابي كدائرة تتمدد وتتسع.

مواقف وأحداث وتجارب الحياة هي مُعَلِّم تعلم الإنسان؛ ليتطور وينمو وليكتشف قدرته على تجاوز الصعاب والآلام، وليعرف أن دوره مهم في تغيير مجرى حياته بإرادته، وليتعلم أيضاً قيمة كل الأشياء التي حوله، في حال افتقاده أو اقتنائه لها، يتعلم كيف يعيش سعيداً بعد يوم عاصف، يتعلم كيف يكون قوياً بعد خسارة شيء ما، يتعلم كيف يعطي كما يأخذ من الآخرين، وأن الحياة أخذ وعطاء، لن يعرف ذلك إلا إذا جرب معنى الحرمان أو افتقاد الشيء، وهذا ما يلاحظه في المواقف التي تمر عليه أو التي يعيشها فعلاً. إن بعد كل موقف عاصف يكون هناك درس «ما»، والواعي من يدرك ذلك، ويتعلم من كل دروس الحياة.

الإنسان موقف، ولكل إنسان موقف عليه أن يظهره للآخرين خصوصا حين يكون موقفًا ايجابيا، المهم يكون موقفًا مبنيا على قناعات معرفية راسخة وعلمية صحيحة وليس موقفًا هلاميا سرابيا لا يغنِي. أجزم أن غالبية الناس مروا بمواقف سلبية أو إيجابية حدثت معهم أو قاموا بها. كم هو جميل أن يحاسب الإنسان نفسه للمواقف السلبية التي قام بها، والأجمل أن يعتذر من تلك المواقف وعلى الطرف الآخر تفهم الموقف وقبول الاعتذار فالحياة حُبْلى بالمخطئين.

إنها دعوة لتصحيح المواقف فالإنسان مواقف وترك السمعة الحسنة هدف ينشده الجميع ،مهما كانت ومها صغرتْ. الإنسان يموت وتبقي ذكراه عالقة في أذهان الناس، اترك ما تتمناه. وليس عيبًا أن يصحح الإنسان موقفه

همسة في أذن أصحاب المواقف السلبية الذاكرة لا تنسي مواقفكم فلماذا لا تغيروا من حالكم وتنهجوا المواقف الإيجابية؟ قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) سورة الرعد الآية 11

شاهد أيضاً

مركز النيل للإعلام بطنطا وتعليم الغربية: ندوة إعلامية حول ( بناء الإنسان والاستثمار فى رأس المال البشرى لتحقيق التنمية)

مركز النيل للإعلام بطنطا وتعليم الغربية: ندوة إعلامية حول ( بناء الإنسان والاستثمار فى رأس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *