الشعرة الفاصلة بين التخابر وجمع المعلومات
“هناك شعرة فاصلة بين جمع المعلومات، وهى وظيفة أى بعثة دبلوماسية، والتخابر من خلال تسريب معلومات أو وثائق سرية”
هكذا بدأت الدكتورة نورهان الشيخ استاذ العلوم السياسية وعضو المجلس المصرى للشؤون الخارجية حديثها، مشيرة إلى أن عملية جمع معلومات خاصة بالبلد المضيف جزء أساسي من عمل البعثات الدبلوماسية وتعتمد على مدى مهارة أفرادها .
وأضافت:” يجب التمييز بين أمرين، وظيفة جمع المعلومات وفكرة التخابر، لأن الأخيرة تعنى أن البلد مرسلة البعثة لها أجندة محددة تريد تحقيقها وفرضها على أرض البلد المضيف فتعتمد فى ذلك على طرق عدة، إما من خلال تجنيد أفرادها أو دفع رشاوى للحصول على معلومات ووثائق تصنف بالسرية”.
وأوضحت أنه فى حالة الخلط بين المهام يتم طرد مجموعة من الدبلوماسيين ، وذلك حال ثبوت خرقهم للقانون الدولى وقيامهم بعمل مناف لقوانين الدولة المضيفة والدليل على هذا كثرة المشاكل التى تلاحق أعضاء البعثات الدبلوماسية الأمريكية فى بعض الدول لأن دورها يتجاوز جمع المعلومات ويصل إلى حد التدخل فى شؤون الدول.
وأشارت نورها الشيخ، إلى أن التحذيرات التى توجهها السفارات لرعاياها تكون بناء على معلومات ترد إليها وهذا أمر مقبول ومشروع فى العرف الدولى .
فى أكتوبر 2016 ، وجهت السفارة البريطانية ونظيرتاها الأمريكية والكندية فى مصر ، تحذيرات لرعاياهم بعدم التواجد فى الأماكن العامة المزدحمة ” بسبب مخاوف أمنية محتملة” وهو الفعل الذى أثار حفيظة وزارة الخارجية المصرية وقتها حول أسباب إصدار البيانات التحذيرية تلك دون إخطار أى جهة مصرية ودون الكشف عن هوية المخاوف الأمنية المحتملة التى أشارت لها الدول الثلاث فى بياناتها الموجهة .
وفى اغسطس الماضى، وضعت روسيا مزيدا من القيود حول نشاط البعثة الدبلوماسية الأمريكية على أراضيها بعدما أجبرت حكومة الأخيرة على تقليص عدد أعضاء بعثتها، حيث فرضت السلطات الروسية حظرا على استخدام السفارة الأمريكية المستودعات وبيوت الراحة الصيفية فى ضواحى موسكو ،وذلك ردا على مصادرة السلطات الأمريكية فى نهاية عام 2016، عقارات دبلوماسية روسية، فى الولايات المتحدة، فضلا عن فرضها عقوبات جديدة ضد موسكو مؤخرا.
التحذيرات السابقة التى تتكرر بين الحين والآخر، والعقوبات التى تفرضها الدول على البعثات الدبلوماسية الخاصة بدول أخرى سواء بتقليص عددها نتيجة تسريب معلومات تضر بأمنها القومى أو حظر أنشطة تلك البعثات نتيجة نشوب خلاف بين الدولتين تطرح تساؤلات عدة خاصة بالمعلومات التى تصل لسفارات الدول الأجنبية فى البلد المضيف ومدى صحتها وقانونيتها، وآلية جمعها من خلال مكاتب الاستخبارات الملحقة بسفارات تلك الدول وماهية عملها .
الدكتور محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولى، كان له رأي مغاير ، حيث شدد على ضرورة تقنين وضع وآلية عمل مثل تلك المكاتب والاشخاص المنسوبين إليها على مستوى المجتمع الدولى خاصة فى ظل التحديات التى تواجه العالم أجمع .
وأضاف: “بالتأكيد لو تُرك الأمر هكذا سيكون هناك خطورة على الشخص جامع المعلومات فى حالة اكتشاف حقيقته وخطورة مماثلة على البلد المضيف بسبب تسريب معلومات سرية عنها لذا نحتاج لوضع تشريع واضح ومحدد لضمان وصول المعلومات بشكل صحيح وسليم” .
وأشار عطا الله إلى أنه وفقا للقانون الدولى المعمول به حاليا، فإن البعثات الدبلوماسية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، فإذا كان هناك امتياز يمنح لمبعوث دبلوماسى فى البلد المضيف يتم منح امتياز مماثل له لمبعوث تلك الدولة ايضا.
وتابع : “غالبية الدول يكون لديها شخص أمنى معلن تحت مسمى مستشار سياسي وأشخاص آخرين غير معلنين تحت مسمى وزير مفوض بالسفارة ولا يعرف أحد طبيعة عمله الأمنى سوى أعضاء البعثة الدبلوماسية وأفراد سفارة بلده فقط لا غير ، ويطلق عليه “العضو المستتر” الذى يجمع المعلومات عن الدولة المتواجد فيها بحرية تامة وبمساعدة أبناء البلد نفسه”.
يحيى الكدوانى، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، يقول:”يوجد ضمن البعثة الدبلوماسية العاملة فى كل سفارة شخص ممثل للأجهزة الاستخباراتية الخاصة ببلده يباشر عمله فى جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالدولة المضيفة ولكن هذا الأمر يدخل ضمن الأعراف الدولية فقط ولا يتم بشكل مقنن أو وفقا لاتفاقيات رسمية مبرمة”.
وأضاف الكدوانى، أنه حال نشوب أزمة بين أى دولتين وثبوت قيام شخص بعمل غير قانونى على سبيل المثال، انتهاك سيادة البلد المضيف او تسريب معلومات هامة خاصة بها تقوم الدولة المضيفة، يتم على الفور ترحيل البعثة وسحب نظيرتها من الدولة الأخرى، لافتا أنه لا يوجد مبرر لتقنين عمل تلك الأجهزة لسرية عملها .