مصر محاطة إرهابيًا
بقلم / اشرف عبوده
رئيس التحرير التنفيذى
الحرب مع الإرهاب حرب وجود، فلا يجب أن نتعامل معها بتلك الأريحية فالمواجهات الأمنية مهمة وضرورية، ولكن لابد أن يصاحبها ويسبقها الاستعداد للمواجهة على كل المستويات، وفى كل الاتجاهات فى خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
فبالرغم من حالة الحزن الواجبة على أبطال الشرطة، ولكن هذا لا يعنى أن نتائج هذه العملية انهزام أو انكسار، بل مزيد من الصمود والتصدى حفاظاً على الإنجازات، التى تحققت بعد 30 يونيو.. فلا يتوافق أن تطلق تلك التنظيمات، وهذه الجماعات الأكاذيب والادعاءات والتخيلات أن النظام المصرى يترنح وسيسقط قريبًا أملًا فى عودتهم مرة أخرى، ويجدوا تلك الإنجازات التنموية والإنشاءات البنيوية، فهذا يفقدهم أى مصداقية.. خاصة أن متاجرتهم بالمشكلة الاقتصادية ومعاناة الجماهير قد فشلت، نظرًا لما يتحمله المواطن من أعباء اقتصادية أملًا فى المستقبل وحبًا فى مصر.
كما أن ليبيا تشترك مع مصر فى حدود تصل إلى أكثر من ألف كيلو متر يتخللها مساحات فراغ أمنى فى تلك الصحراء الغربية، بما يعنى الاقتراب من الحدود الغربية لمصر، وحتى تكون مصر محاطة إرهابيًا من البحر شمالًا والسودان جنوبًا وسيناء شرقًا وليبيا غربًا.
كما أن هناك متغيرات حدثت فى المنطقة، إضافة لتلك الهزيمة فى سوريا والعراق، خاصة بعد مقاطعة الدول الأربع لقطر وتحالف تركيا وإيران معها ناهيك عن المأزق التركى فى إطار التشتت العسكرى تجاه مشكلة الأكراد خاصة بعد استفتاء كردستان.
أما أهمية مصر فلها أسباب عدة، إن مصر هى التى أخرت، بل أجهضت ما يسمى بالمشروع الإسلامي والخلافة الإسلامية، خاصة بعد إسقاط الإخوان فى 30 يونيو، مع العلم أن وصول الإخوان لحكم مصر كان البداية المتوهمة لإقامة هذه الخلافة، حيث كان ذلك بمساعدة قطرية تركية ومباركة أمريكية إسرائيلية.. فـ 30 يونيو أجهضت المخطط المرتبط بتقسيم المنطقة على أسس طائفية وإعلان سايكس بيكو الثانية.
ولذا لم يعد نظام يونيو هو الهدف، ولكن أصبحت مصر الدولة والوطن هى الهدف.. ولذلك قد رأينا مسار العمليات الإرهابية منذ يونيو 2013 لم ينته وإن كان قد خفت حدته فى سيناء وتوارى فى الداخل بمجهودات الجيش والشرطة، فكان من الطبيعى أن يتم اختلاق مسارات أخرى جديدة لتشتيت الأمن المصرى ولمحاولة إثبات الوجود وإعادة الثقة بالنفس والأهم هو إفقاد الشعب المصرى ثقته فى نفسه وبث اليأس والقنوط.
الجميع يعرف أن الإرهاب يبدأ فكرا، وان كتابات مشايخ التطرف تقطر سما ومنشورة على المواقع المختلفة، كما أنهم قد هيمنوا طوال أكثر من ربع قرن على المنابر والشاشات بشكل معلن يفتون ويعلمون فنون التكفير والإرهاب ولا يقترب منهم أحد ولو بالعتاب، بل على العكس يرحب بهم فى كافة مناحى الحياة ويلقون كل تبجيل من البعض.
عزيزى القارئ …
تعالى نرجع لبعض السطور التاريخية منذ سنوات ماضية ، فنجد مقتل الشهيد فرج فودة 1993، ومحاولات اغتيال مكرم محمد أحمد ووزراء الداخلية حسن الألفى وشيخ العرب عبدالحليم موسى ورئيس الوزراء عاطف صدقى، ورئيس مجلس الشعب، رفعت المحجوب، وحوالى ألف مواطن، ولكن الحكم السابق فى مصر تعود على المصالحات والتواطؤ مع القتلة، ونذكر بأن الحكم الناصرى تواطأ مع الإخوان بعدم حل الجماعة 1954 ثم الإفراج عنهم والمصالحة معهم 1960، وبالتأكيد أنه إن كان الرئيس السادات قد شرعن لتواجد الجماعة غير المشروع على هامش المجتمع المدنى، فإن عصر الرئيس السابق مبارك قد أدى لتمكين الجماعة سياسيا عن طريق عقد الصفقات المتبادلة بين النظام والجماعة مثل صفقة دخول 88 عضوا من جماعة الإخوان فى البرلمان المصرى 2005، التى اعترف بها قيادات جماعة الإخوان فى أكثر من حوار معلن. وعلى الصعيد الاقتصادى ووفق قضايا غسيل الأموال فقط، بلغت الأموال المغسولة حوالى مليار ونصف المليار تقريبا، ووفق بعض التقديرات سيطر الإخوان على % 55 من تجارة العملة و%21 من تجارة التجزئة، وعلى صعيد المجتمع الأهلى ارتفعت نسبة الجمعيات والمؤسسات الأهلية الإخوانية فى عصر مبارك من %2 إلى %12 من العدد الكلى للجمعيات فى مصر علما بأن الجمعيات الإسلامية وفق تقديرات التضامن الاجتماعى %21، علما بأن القانون لا يسمح بالعمل فى الدين أو فى السياسة!
ويضاف إلى ذلك إلى أن الجمعيات الدينية الإسلامية حصلت على أكثر من %28 من التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات فى التسعينيات من القرن الماضى وفق مصادر للباحث، وهكذا يمكن القول بأن العصر الذهبى للإخوان كان عصر مبارك، أو يمكن القول أن الإخوان فى عصر مبارك نجحوا فى أسلمة المجتمع وتديينه بما فى ذلك الحزب الوطنى الحاكم، وكان نظام السادات ومن بعده نظام مبارك قد أضعفا المعارضة غير الدينية عبر عدة أحزاب كرتونية شكلية، وحطم البنى التنظيمية لباقى فصائل الإسلام السياسى، الأمر الذى أدى لتفرد الجماعة ككيان منظم مؤهل للتحالف مع أى سلطة للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011.
والسادات تحالف معهم منذ 1974 ووضع لهم الأساس الدستورى فى المادة الثانية، ومبارك تصالح مع الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد بما عرف بالمراجعات منذ 1997 بعد مذبحة الأقصر ثم مرة أخرى بصفقة (العادلى عاكف 2005)، وفى 3يوليو 2013 اضطر النظام للوقوف مع قادة السلفيين ليحتفظ بهم ضد الإخوان بعد أن التحقوا بمعسكر 30 يوليو فى انتهازية مفرطة.. رغم أن قواعدهم كانت فى الاعتصامات الإجرامية ومازالت تتطوع للقتل باسم الدين وفتاوى وتعليم قادتهم.
كل ذلك يجعلنا احتراما لدم الشهداء نؤكد أننا نقدم أبناء القوات المسلحة والشرطة قربانا وأضحية لنظرية خائبة استمرت من 1954 وهى أن الأنظمة المختلفة كانت تخشى من الاتهام بمحاربة الإسلام، رغم أن الدين الإسلامى وفق وسطيته وإعلانات الأزهر الشريف المتتالية يتبرأ من هؤلاء القتلة، حدث ذلك فى حين أن جمال عبدالناصر تعرض لمحاولة اغتيال والسادات استشهد برصاص الإرهاب فى وسط الجيش، ولا نخفى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى (حفظه الله) مستهدف قولا وفعلا من هؤلاء القتلة.
إننا أمام عقدة تاريخية منذ 1928 واجهت كل الأنظمة، فى العصر الليبرالى تحالف صدقى باشا وحكومات الأقليات والملك فاروق مع الإخوان والفاشيين ضد حزب الوفد فتم دفع ثمن باهظ من مقتل الخازندار للنقراشى، وكاد ناصر أن يدفع حياته، ودفع السادات حياته، وتعرض الآلاف من أبناء الوطن من المدنيين العزل والأقباط وأبناء القوات المسلحة والشرطة للقتل على الهوية، والرئيس عبدالفتاح السيسى «بح صوته» من المطالبة بتجديد الخطاب الدينى ولا مجيب، وليس أمامنا سوى التصدى بالقانون لمشايخ التحريض والتكفير، وأعمال العقل والمنطق دفاعا عن الوطن والشعب، ماذا تبقى وإلى متى تنتظرون؟ هل تنتظرون عودتهم بالتواطؤ مثلما حدث بعد 25 يناير 2011؟ لكنى أؤكد لكم أن دماء شهداء الواحات تفوح منها رائحة الخيانة، وأنات الجرحى تصم آذاننا وتفضح التواطؤ، وبكاء الأرامل واليتامى يدفعنا للمطالبة بسرعة الحساب قبل فوات الأوان.. وتحيا مصر إلى آخر الزمان.