*..قتل ممنهج..*
بقلم / عباس عبدالجليل عباس
ذكريات داعبت فكري، تأرجحت في مخيلتي، تؤجج خاطري،توقظ زمان الصبا وعنفوان الشباب،التاريخ، صباح يوم الأحد من أيام الآحاد من كل أسبوع،المكان، شارع المديرية بالمدينة الأم لمحافظة الغربية(طنطا)،حيث المحال التجارية وقد أغلقت أبوابها وخلا الشارع من زبائن تلك المحال فالمألوف أن هذا يوم راحتهم من كل أسبوع،ولكنه يوم عمل شاق بطعم المتعة لغيرهم ممن سيفترشون الشارع وعلى عتبات تلك المحال المغلقة، فبضاعة هؤلاء لا تخطر على قلب أو عقل بشر،نفائس، ذخائر،، درر،علم وعلماء،أدب وأدباء،فكر ومفكرين،مؤلفات روايات مسرحيات،شعر وشعراء ،قانون ومشرعين عقيدة وفقه ورجال دين وفقهاء من أحدث الإصدارت إلى مالا تتوقعه من عظم قدمه وندرة تواجده كل هذا وأكثر سيكون سلعة رائجة على الأرصفة،حبيسة السجلات مطوية بداخلها،، كتب هي مع تجار الثقافة،وهناك وعند منحنى مائل لأحد المحال وأمام سينما أمير وبالمصادفة من الخلف سينما مصر كان صاحب فرشة متعددة الأرفف يقبع خلفها وبخفة حركة وبراعة المتسلل اتخذت لنفسي مكانا بجانبه،ذلك الذي كان يكبرني بحوالي عشر سنوات ومع ذلك كان يتمتع بقدر منقطع النظير من الثقافة تفوق حاملي الشهادات العليا بل الحاصلين على الدكتوراة كان مثله مثل أقرانه من تجار الثقافة،ولكنه كان ينهر من يفتح كتابا كي يطلع على محتواه إلا أنا، كنت أجلس بجواره فيخرج لحافة فرشته ويقذفني بكتاب وقت أن ينظر إلي بعين المتفحص ويجد أنه قد أصابني الملل من كتاب أتصفحه ليشبع نهمي،، وفي الأخير ابتاع منه كتابين أو ثلاثا على الأكثر ببضع قروش وقبل أن أغادر يبادرني بالسؤال هل ستأتي في الأسبوع القادم..؟ أومئ برأسي مشيرا بنعم وأذهب إلى حال سبيلي وليستمر الحال إلى أن أخذتني الحياة بحلوها ومرها ولأهجر الكتاب، إلا ما يبقي العقل في حراك إيجابي، وتمر الأعوام، إلى أن قررت فجأة الذهاب لنفس المكان وفي نفس يوم الأحد، لأجد تلك المحال التجارية مشرعة الأبواب والشارع يغص بالمارة والزبائن ازدحامًا شديدًا لا يوجد أثر لسوق العلم والثقافة والأدب ولكني لم أفقد الأمل وواصلت المسير حتى وجدتني أقف أمام كهل نال منه الزمن يضع على منضدة صغيرة بعضا من الكتب فقد أشفق عليه أحد أصحاب المحال وخصص له مكانا محدودا يقف فيه فأطلت النظر إليه مدققا بشكل لافت للنظر،نعم إنه هو ذلك الشاب الذي كنت أرتاد مكانه القديم وأجلس بجواره حاولت أن أنشط ذاكرته فجاملني وادعى أنه يتذكرني حتى أبتاع منه كتابا،و إذ فجأة بالجهة المقابلة يعلو صياح شيئا فشيئا فحاولت أن أستطلع الأمر فبادرني لا عليك أستاذي هذا معتاد كل يوم في نفس الميعاد وعند خروج المتفرجين من السينما يتكرر هذا المشهد العبثي، شاب وخطيبته كانا بدار العرض في فيلم مبتذل رخيص كله إيحاءات وتلميحات قذرة ورواية هابطة وقد علق أحدهم تعليقا لايتناسب والآداب العامة على أحد المشاهد الخليعة وبعد أن ينتهى العرض تأخذه النخوة مصطحبًا الخطيبة ويشتبك مع أحدهم لشعوره بتأذيها بتعليقه السخيف فتحولت بنظري على الفور لواجهة السينما لأقرأ اسم الفيلم..(لقاء ساخن)فطأطأت رأسي وتناولت إحدى قصص الأطفال من على المنضدة ودفعت له مبلغا محترما من المال وانصرفت،لتستقبلني طفلتي بباب المنزل محاولة أن تأخذ من يدي القصة لولا تداركي الأمر،فقرأت عنوانها على عجل فكانت الطامة الكبرى(غراميات كي جي ون) فأدركت أنها مؤامرة حيكت بليل مظلم وحرب شعواء شنت علينا لتنال من كرامتنا قبل ثقافتنا