أبرز التحولات العالمية المعاصرة وأثرها في ضرورة تجديد الفقه التربوي والخطاب الديني
بقلم أ.د / محمد طه
كلية التربية – جامعة طنطا
استكمالا لما بدأناه حول المتطلبات التربوية لتجديد الخطاب الديني وقبل تحديد هذه المتطلبات نؤكد أن هذا العصر يسهد مجموعة من التحولات الجذرية العالمية، والتي أعطت له سماته الخاصة وتأثير واضح في كافة جوانب الحياة، وقد أصبح من الضروري مواكبة هذه التغيرات، والتحكم فيها، والاستفادة منها، والاسترداد الهوة بيننا وبين عصرنا، فتظل في مؤخرة الراكب الحضاري، تفرض علينا الإرادات، وتحاك لنا الدسائس من حيث ندري ولا ندري. وهذا يرتب المسئولية الكبرى علي المؤسسات التعليمية والتربوية التي وحدت نفسها أمام مستجدات ومتغيرات تختلف تمامًا عما كان عليه في أواخر القرن الماضي، ومن هنا فإن القيام بمتطلبات الحاضر والتهيئة لبناء المستقبل لن يتم دون المادة النظر في المتطلبات التربوية اللازمة، فالمناهج بوضعها الحالي أو بصور تنفيذها قد تكون إحدى العقبات أمام تحقيق الأهداف المرجوة والمخرجات المطلوبة إذ أن الواقع يؤكد عجز تلك النتاجات التربوية عن الوقوف أمام ما نشهده من تحديات ثقافية وفكرية واجتماعية وسياسية واقتصادية، مما يتطلب معالجة عناصر العملية التربوية وتطويرها لتتحول إلي مصانع لتوليد القدرات وتشكيل القنوات الفاعلة القادرة علي إزالة العقبات وتجاوز التحديات وتحقيق التنمية الشاملة.وعملية النهوض الحضاري وقودها الرئيسي المعرفة المتجددة المتطورة، لأن كل ما نفعله يستند إلي هذا النوع من المعرفة، وتجديدا لهذه المعرفة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال توضيح أهم التحديات التي تواجه مجتمعاتنا وتهدد سلبياتها ، وتجديد معالمها، واستيعاب أبعادها، لنتمكن من وضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج العملية للاستفادة من إيجابياتها، وتجنب مخاطرها وسلبياتها.ويمكن تحديد أهم التحيات المعاصرة تحدي القيم والهوية، والتكنولوجيا والتقنية، تحدي الطاقات الكامنة والطاقات المهدرة، البحث والتفكير العلمي، ثروة الاتصالات والأمية الشاملة، تحدي تعريف العلوم ومتابعتها، وتدفق المعلومات والانفجار المعرفي.هذا بالإضافة إلي أن النظام العالمي الجديد قد أوقعنا في إشكاليات القرن الحادي والعشرين إشكالية التوتر بين العالمي والمحلي، إشكالية التوتر بين الكلي والمخصوص، إشكالية التوتر بين التقاليد والحداثة، إشكالية التوتر بين المدى الطويل والمدى القصير، وإشكالية الحاجة إلي التنافس والبحث عن الفرص، إشكالية التوتر بين التوسيع الهائل للمعارف وقدرة الإنسان علي استيعابها، إشكالية التوتر بين الروحي والمادي.وهذا يعني زيادة التحديات التي تواجه المقطوعة التربوية تشكل المناهج التعليمية بشكل أكثر خصوصية، ولا سيما أن هذه التحولات والتحديات لا تمر بمراحل معينة من التقدم، بل هي تنمو علي شكل طفرات قصيرة العمر في سلسلة متكاملة تؤثر في مؤسساتنا التعليمية في الإدارة والمناهج والمعلمين والطلاب.. وكذلك في مؤسساتنا التربوية.والفقه التربوي في هذا العصر هو فقه الانطلاق والنهوض ومواجهة القضايا التربوية المعاصرة وتحقيق التطوير ومن ثم الاستشراف ولكن بدايتنا هنا تحديد أهم مواصفات طالب المستقبل كمؤشرات إعادة النظر في الأهداف التربوية وبعدها نحدد أهم المتطلبات التربوية لتجديد الفقه التربوي والخطاب الديني الملائم له وهذا ما سنتناوله في المقال القادم.