جدل فى قضية “تجريم الزواج العرفي” بمشروع قانون للبرلمان
زوجات بدون حماية وأطفال بلا نسب …41 ألف طفل سنويا نتاج كارثة الزواج العرفى
الزواج العرفى باب خلفى للتلاعب بمستقبل الفتيات وزواج القاصرات وضياء حقوق المرأة والأطفال والاستيلاء على أموال المعاشات
كتبت / نجلاء محمد
تصاعد الجدل حول فكرة مواجهة ظاهرة الزواج العرفي من خلال تشريعات جديدة كوسيلة للحد من الظاهرة، ففي الوقت الذي أيد البعض سن تشريعات جديدة وفرض عقوبات على أحد الزوجين رأى البعض الآخر أن الحل في المعالجة الفكرية وتفعيل دور التوعية بمخاطر هذا الزواج وأضراره.
وطالب فريق آخر بفتح حوار مجتمعي ودعوة المختصين من الجهات المعنية والقائمين على اتخاذ القرار ونواب البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني الأفكار والمشاركة في مواجهة هذه الظاهرة التي كانت سببًا في تكدس قضايا إثبات النسب داخل محكمة الأسرة.
ويعتبر الزواج العرفي من أكثر المشكلات التي تواجه الزوجات في الحصول على حقوقهن، خاصة إذا رفض الزوج الاعتراف بهذا الزواج، الأمر الذي يضطر الزوجة إلى اللجوء إلى المحاكم لإثباته، وتكشف الأرقام داخل محاكم الأسرة سنويا دعاوى إثبات الزواج، وإثبات النسب المقدمة من ضحايا الزواج العرفى 66 ألف دعوى، وعدد أطفال هذا الزواج يصل إلى 41 طفل سنويا.
أظهرت البيانات الإحصائية، أن أكثر عقود لزواج التصادق فى العام الماضى كانت لـ”آنسات”، حيث أقبلت 124.871 ألف فتاة لم يسبق لهن الزواج على توثيق “زواج عرفى” والتصديق عليه، كما بلغ عدد المطلقات الذين قاموا بعمل تصادق على قيام الزوجية ما يقرب من 24 ألف حالة بالنسبة للحالات الرسمية.
أما عن الحالات الغير رسمية فقدرت بحسب الأرقام العقود العرفية التي لم يقم أصحابها بإثباتها بطريق رسمية فبلغت 149.232 حالة زواج عرفي عام2017 بزيادة قدرها 16%.
ويستخدم الزواج العرفى كباب خلفى للتلاعب بمستقبل الفتيات وزواج القاصرات وضياء حقوق المرأة والأطفال والاستيلاء على أموال المعاشات، وتحقيق المتعة لطلبة الجامعة، ليتحول بذلك لناقوس خطر يهدد سلامة المجتمع .
كان حديث النائبة الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، عن تقدمها بمشروع قانون للبرلمان لتجريم الزواج العرفي ستركز فيه على العقاب القانونى للمتزوج عرفيا بالحبس سنة على الأقل واصفة الزواج العرفى بأنه أشبه بالفساد العظيم الذى يدمر أسس المجتمع، جعل مجلس النواب يدخل خط مواجهة الظاهرة.
واشار المستشار عبد الله الباجه رئيس محكمة استئناف القاهرة من مواجهة ظاهرة الزواج العرفى بالقانون، لافتًا إلي اعتزام أحد نواب البرلمان تقديم قانون يتضمن حبس الزوج لمدة عام وذلك للحد من انتشار الزواج العرفي فقال في تصريحات صحفية هذا القانون غير منطقي وغير شرعي وغير دستوري.
ويوضح أن الزواج قبول ورضا وإذا توافر القبول والرضا فإن الجريمة لا تعد موجودة فعلي أي أساس سيُعاقب الزوج في الزواج العرفي، مضيفًا أن العرفي ليس جريمة إلا إذا تزوج الرجل من الفتاة بالإكراه.
ويري رئيس محكمة استئناف القاهرة الحل في مواجهة ظاهرة الزواج العرفي يتمثل في تعديل تشريعى بإلغاء الفقرة الثانية من المادة 17 في القانون رقم 1 لسنة 2000 حيث تنص هذه المادة علي إجازة الزواج العرفي وتقنينه، مشيرًا إلي استبدالها بهذا النص: “لا يجوز للقاضي أن يستمع إلي دعوي الزوجية إلا إذا كان الزواج موثقًا رسميًا” وأن إلغاء هذه المادة يعد عدم اعتراف بالزواج العرفي قانونيًا مؤكدًا أن في ذلك حماية للمجتمع من تلك العلاقة التي هي شرعية في ظاهرها ولكنها في الحقيقة مُفسده للمجتمع لافتًا إلي بعض آثاره السلبية: “تتزوج الأرملة عرفيًا للتحايل علي القانون في تقاضى معاش زوجها السابق وتتزوج أخرى عرفيًا لضمان حضانتها لصغارها بعد زواجها من غير أبيهم ويتزوج الطلاب في الجامعات عرفيًا تهربًا من المسئولية المادية والقانونية والاجتماعية وفي الأخير تتكدس محكمة الأسرة بقضايا إثبات النسب وتمتلئ الشوارع والأرصفة بأطفال الشوارع ويزداد عدد الأطفال بلا مأوي بين جدران دور الرعاية وكل هذه السلبيات تؤثر علي أمن المجتمع واستقراره وتسيء إلي صورته فضلا عن أنها تستنزف موارد الدولة المادية عندما تنفق الدولة علي أطفال الشوارع من خلال وزارة التضامن الاجتماعي التي توفر لهم دور رعاية بعدما تبرع بهم آباؤهم للشارع فأصبحوا ضحية للزواج العرفي بدلًا من أن يكونوا نواة لبناء المجتمع والارتقاء به”.
وفي أسف شديد يؤكد رئيس محكمة استئناف القاهرة أن الفقرة الثانية من المادة 17 في قانون رقم 1 لسنة 2000 تسببت في فسخ كل العلاقات الأسرية بنسبة 70% ثم تأتي الحالة الاقتصادية بنسبة 30%: “هذه المادة أجازت الزواج العرفي الذي هو سبب الأطفال بلا نسب وأطفال الشوارع وزواج القاصرات الذي يأتي بأطفال غير أصحاء جسديًا فضلاً عن احتمالية تشوههم” مشددًا علي ضرورة إلغائها.
وحول مشروع القانون الذي يتضمن حبس الزوج في الزواج العرفي لمدة عام قال “الباجه” إنه يرفضه جملة منتقدًا تبرير الدكتورة آمنة نصير والتي تعمل علي إعداد هذا القانون في أن الهدف من حبس الزوج دون الزوجة هو أن الفتاة تمثل الجانب الأضعف في العلاقة، وأن الزوج هو المُغري الأول لها فقال: المرأة تُعتبر الجانب الأضعف في قضايا الاغتصاب والتحرش وهتك العرض فقط أما الزواج العرفي فإن المرأة تقبله وتشارك فيه برغبتها وغير منطقي معاقبة الزوج لهذا المبرر”.
اما الحقوقية انتصار السعيد مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون قالت في تصريحات صحفية عن خطورة ظاهرة الزواج العرفي علي المجتمع وضرورة الحد منها إلا أنها ترفض أن يكون القانون هو الحل.
وبالرغم من تفاقم ظاهرة الزواج العرفي إذ أن عدد عقود هذا الزواج حسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2017 بلغ 149.232عقدَا إلا أنها تقول إن سن التشريعات للحد من الزواج العرفي ليس حلًا، وإن فرض العقوبات علي أي من الزوجين يؤثر بالسلب علي الدولة، حيث سيضيف إليها عبئًا يتمثل في توفير الإقامة والإعاشة للمحكوم عليهم داخل السجون إضافة إلي أن فرض العقوبات تحد من الحريات الفردية للمواطنين وتؤثر بالسلب أيضًا علي الحالة الأمنية للمجتمع فهؤلاء الذين يدخلون السجون لقضاء مدة الحبس أو السجن سيخرجون مجرمين أو أكثر إجراما إن كانوا هم في الأصل كذلك.
وتتابع مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون في السياق نفسه أن الرجل أو المرأة في الزواج العرفي إذا كان أحدهما فوق الـ 21 عامًا فليس من حق أحد حبسهم لافتة إلى من هم دون الـ 21 عامًا وهو زواج القاصرات وأنه يمكن إضافة نصّ في الدستور لتجريمه لأنه أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم ظاهرة الزواج العرفي
أما فكرة تشريع قانون للحد من الزواج العرفي وتوقيع عقوبة علي أحد الزوجين أو كلاهما فهي لا تصب في رصيد الحد من الظاهرة بالإيجاب وإنما تؤدى المجتمع أمنيًا عند خروج الأفراد من السجن وتستنزف موارد الدولة المادية عند إنفاقها على هؤلاء المحكومة عليهم في الإقامة والإعاشة داخل السجن لذا طالبت بحوار مجتمعي، وشددت علي أن يشهد هذا الحوار وجود المختصين من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمجتمع المدني واللجنة التشريعية بمجلس النواب والخبراء وأساتذة القانون للمناقشة والوقوف علي أسباب الظاهرة وتداعياتها ومن ثم كيفية مواجهتها: “أنا مع الحد من الظاهرة لكني أرفض حبس أي من الزوجين”.
قال إبراهيم علي سليم المتحدث باسم صندوق المأذونين الشرعيين، إن زيادة انتشار الزواج العرفي تسبب في ضياع حقوق آلاف السيدات، وعدم قدرتهن على إثبات الحقوق القانونية التى تترتب على العلاقة الزوجية من مؤخر صداق ونفقة عدة ومتعة وكذلك يتسبب في ضياع الكثير من حقوق الأطفال وإثبات نسبهم.
وأضاف: “كما يعد زيادة حالات الزواج العرفي مؤشر خطير و عدم وجود فتاوى شرعية واضحة تحرم الزواج العرفي بشكل صريح، حيث أن الزواج العرفي اذا توافرت فيه شروط الزواج وأركانه فهو زواج من الناحية الشرعية صحيح .
وأشار إلى أن الزواج العرفي لا يضمن أدنى الحقوق القانونية التي تحمي الحقوق المتبادلة بين الزوجين وبالأخص المرأة، وأن اغلب حالات الزواج العرفي بما يسمي بعقد التصادق على يد المأذون الشرعي لإثبات قيام العلاقة الزوجية لفتيات لم يسبق لهم الزواج من قبل
يستنكر الدكتور عمر حمروش أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب مواجهة ظاهرة الزواج العرفي بالقانون فيقول في تصريحات لـ”بوابة الأهرام” أن القانون ليس حلًا والعصا الغليظة لا تُعالج لافتًا إلى وسائل أخرى يمكن استخدامها في المعالجة.
وحول الجدل الذي شهده الزواج العرفي من حيث الحكم الشرعي له يقول أمين سر اللجنة الدينية: إن هذا الزواج يصبح حلالًا بشرطين، أولًا: ضمان حقوق الزوجة وهو ما يتمثل في توثيق الزواج بعقد رسمي عند مأذون شرعي، وثانيًا: ألا يكون هذا الزواج تحايل على أحكام الشريعة حيث هناك نماذج لنساء يتزوجن عرفيًا دون توثيق زواجهن رسميًا لضمان استمرار تقاضيها معاش زوجها المتوفى السابق لزوجها الحالي وهناك نساء يرفضن التوثيق أيضًا لضمان استمرارية حضانتهن لأطفالهن من أزواجهن السابقة، مؤكدًا أن هذا تحايل على مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية