بقلم الكاتب / على الفقى
القارئ لرواية (الحب في زمن الكوليرا) للكاتب الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز يعرف أن هذا الكاتب شأنه شأن الكتاب الكبار الذين تخطوا آفاق المحلية ،- الذين يكتبون بفكر محدود ينتهي بمجرد طباعة ما كتب – ، وماركيز مثل الكثيرين من الكتاب والمفكرين الذين يكتبون لكل عصر ، يخاطبون الإنسانية بشكل عام في أي مكان وزمان ،وأن الحب على الأرض حتى لو انتشر الوباء بين الناس
لأن الفعل الأنسانى واحد لايتغير على الكره الأرضية ،وسبب تذكري لهذه الرواية ما تفشى في المجتمع من أمراض مزمنة ، هذه الأمراض قضت على الحب والرومانسية المفقودة ، وأصبح المريض يهرب من ملازمته الأقربون ويتأففون من إنشاء علاقة معه ولو على سبيل الشفقة ، أيضا بات قلب المريض ذاته لا يقوى على الحب ولا العطاء رغم انتظاره المستمر لمن يحنو عليه ويتحمل عصبيته ويهون عليه ما يعانيه ، ويرى في عينيه عاطفة غير محدودة يستطيع بها التحمل وحب البقاء ويبعد عن عقله فكرة الموت ،ويحاول بكل ما أوتى من ماتبقى من صحة ورمق متساقط من خائر قوته أن يستمر معطاء لمن حوله ويشاركونه الحياة ،تلك الحياة التي لايشعر المريض فيها أنها تخلت عنه وتركته يصارع بقاءه ومصيره وحده ، والتي انشغلت عنه بترتيب أوراق أخرى لناس آخرين يصارعون من أجل المادة ، تاركون قلوبهم على أبواب الهوى يطوح بهم كيف يشاء ، لايفكرون كيف يعيش ويشعر صاحب الداء ، هل من حقه الحب ؟أن يكون له خليل وحبيب يفضى أليه بسره ومشاعره ، يأنس به ويناجيه ، يطبطب عليه ويقبل جبينه ، يتنزه معه .. أين هذا الآخر ؟لايوجد .. مع نهاية عصور الأساطير الرومانسية ، الآن أصبح أقصى ما يفعله القريب هو تمنى الموت للمريض على مقولة أن يرتاح ويريح ، ويطمعون في أشياء صغيرة تافهة ويبدءون في تقسيم ميراثه ، ويبحثون عن زوجة أخرى – أو زوج آخر – حتى يعوض الحي ما فاته من الميت الذي مازال على قيد الحياة ، في اللحظة الممنوع فيها الحب على المريض وممنوع له بأمر هذا المجتمع ..الذي يعانى من انهيار الذوق العام وتذوق الجمال واعتبار العاطفة من الآثار القديمة التي نشاهدها أحجارا ولا تنبض بحياة ولا تتحرك بمشاعر حقيقية ،ويجد المريض نفسه محاطا بمجتمع مصاب بالأمراض الحديثة من مكر وغش ورشوة وفساد وتلوث سمعي وبصري ..
ساعد على ذلك اختفاء المشاعر والتعبير عنها في الفن فلا نسمع موسيقى تحرك مشاعرنا أو أغنية تطرب لها الآذن ونرسلها عنوان للحبيب ، فلا يجد صاحب المرض إلا أن يتمنى الموت لنفسه في كل لحظة ولا يجده ..