“الزبالة والحكومات”
بقلم / اشرف عبوده
اصبحت مشكلة الزبالة تشغل اهتمام الجميع، وتثير الغضب لكنها تبقى بلا حل. وتتزايد فى الشوارع جبال القمامة لا فرق بين مكان وآخر. ولن نستطيع أن نتحدث عن تقدم قبل أن نحل مشكلة الزبالة نهائيا. مع علمنا أن الحكومات السابقة كانوا يتشدقون بنسبة النمو ويعجزون عن مواجهة الزبالة فى الشوارع
تأتي القمامة ومشاكلها في قمة الملفات الساخنة على مكاتب المحافظين ، وانتشارها فى الشوارع والميادين والإهمال والعشوائية في طريقة جمعها ورفعها من الشوارع وأمام المصالح الحكومية والوزارات والمدارس، وما يصاحب ذلك من تضارب في الآراء عن الاستعانة بشركات نظافة أو الاعتماد على الهيئة العامة للنظافة وأجهزة المحافظات، وفي نفس الوقت البحث عن وسيلة ردع للمواطنين عن إلقاء القمامة بالشوارع .
بدا واضحًا ان المشكلة كونية .. لا يعرف أحد طريقة للقضاء عليها, هي شيء أبدي لا جدوى من مقاومته إلا لو استطعنا مقاومة الموت. النظريات لا تتوقف وكذلك الحلول: الحل هو التعاقد مع شركات خاصة تتولى المسئولية. بالعكس – يقول آخر – هذا الجحيم بدأ منذ تولت الشركات الخاصة المهمة. الحل هو إعادة الزبال القديم الذي يأخذ القمامة من البيوت. إعدام الخنازير هو السبب ولا حل سوى إعادة تربيتها ..الناس قذرون يلقون الزبالة في عرض الطريق ويسرقون صناديق القمامة .. النبّاش الوغد يمر ليفرغ محتويات الزبالة في وسط الشارع.. الخ .. الخ..
كل صباح تجد أشخاص يأتون تباعا للنبش في القمامة وفرز تلال الزبالة لاستخراج أشياء معينة منها كزجاجات البلاستيك والعبوات الزجاجية وأشياء أخرى، ومع ارتفاع الأسعار الجنوني في الفترات الأخيرة لاحظوا كثرة عدد «النباشين» بمقالب القمامة العشوائية.
والان أصبح دورها مقصورا على نظافة مناطق تواجد كبار المسئولين ووضع اوانى الزهور واعادة رفعها ووضع الاعلام واعادة رفعها بعد الزيارات والافتتاحات الميمونة والتى نراها ونلمسها جميعا …
الغريب … تعاقدت الحكومة المصرية مع شركات اوروبية لاستخراج الزبالة من اعماق المحافظات ، و كنت مندهش : هل “الزباله” تستحق تكنولوجيا مستوردة ” لاستخراجها ” مثل الواقع علي استخراج البترول و خلافة ؟؟؟
هذا وقد أشارت وزارة البيئة إلى أن أزمة القمامة أصبحت تنتشر بشكل كبير، وخصصت 5 محافظات تعاني من انتشار مقالب القمامة، بواقع 20 مقلبا تحتوي على أكثر من 25 مليون طن، وصنفتها الوزارة باعتبارها الأخطر. وبالرغم من وضع مخطط للقضاء على القمامة إلا أنه لازال قيد التنفيذ، خاصة وأن تكلفته تتخطى الـ (142) مليار جنيه.
نتيجة لذلك فقد المصريون الاحساس بالنظافة وأصبحت الشوارع مزبلة كبرى .. وبنشوف شباب ورجال وعائلات يركبون احدث السيارات .. ولا يستحون من القاء المخلفات من شبابيك السيارات .. سلوك همجى .. ناتج عن فقد الاحساس ..
لقد ظهرت فى العالم صتاعة جديدة سميت صناعة اعادة تدوير ومعالجة المخلفات … وأعنى بالمخلفات هنا كل أنواع المخلفات سواء منزلية أو زراعية أو صناعية .. وهى صناعة حديثة ولكن مردودها الاقتصادى مربح
تطورت عمليات معالجة المخلفات فى العالم شأنها شأن أى صناعة أخرى .. وأضرب لكم مثلا فى الولايات المتحدة .. وتحديدا فى مدينة يونجستاون بولاية أوهايو … حيث يوجد أحد مصانع جنرال موتورز للسيارات ويعمل به أكثر من 15 الف عامل وينتج سياره كل 45 ثانيه … !!
المهم فى الموضوع أن شركة جنرال موتورز حصلت من سلطات المدينه على امتياز جمع القمامه بالمدينة وضواحيها وأوكلت ذلك لاحدى الشركات التى تقوم بفرم المخلفات وضغطها بمكابس عالية الضغط لتحولها لاقراص صلبة … وأنشأت شركة جنرال موتورز محطة لتوليد الكهرباء تعتمد فى معظم وقودها على حرق هذه الاقراص الصلبة لتوليد الكهرباء اللازمة لادارة المصنع … حساباتهم تقول أن العملية اقتصادية جدا وتوفر الكثير من الطاقة لادارة المصنع …الزجاج يعاد تجميعه واعادة تدويره مره اخرى ….المعلبات الفارغة .. يجرى اعادة صهرها وتعدينها مرة أخرى .. الورق والكارتون يعاد تشغيله عدة مرات وفى النهاية يصنع منه كراتين تعبئة البيض .الاقمشة والمنسوجات يعاد استخدامها فى مجالات أخرى .. البلاستيك يعاد تدويره واستخدامه لانتاج أنابيب الرى بالتنقيط .. ومنتجات أخرى كثيره ..
حتى اللوحات الالكترونية القديمة يتم تجميعها وتحميصها وطحنها وحرقها واستخراج ما فيها من معادن ثمينه مثل الذهب والفضه والقصدير والتنجستن ..واصبح لها متخصصون لتجميعها من جميع انحاء العالم .. وسبقنا اخواننا المغاربه فى هذا المجال … لقربهم من أوروبا ..الخلاصة انها صناعة فرضت نفسها .. فى ظل قوانين حماية البيئة … نحتاج الى رواد مصريون فى هذا المجال .. وبلاش الاجانب .. أحسن شكلنا بقى وحش أوى …
مصر لديها خبرة في موضوع اعادة التدوير و لدينا نابغه في هذا المجال حاصل عل جوائز لا آخر لها هو الدكتور حامد الموصلي ، هذا الرجل لديه ابحاث في هذا المجال و لديه براءات اختراع لبعض المنتجات في مجال صناعة الاخشاب من جريد النخل و حطب القطن و نواتج التقليم و لديه حلول غير “الحرق” لقش الارز الذي هو السبب الرئيسى للسحابة السوداء الشهيرة
و ان بحثنا سنجد غيره الكثيرين …
سؤال : لماذا لا يفكر رجال الاعمال المصرين في لأنشاء شركة من هذا النوع ؟؟
هو مش جحا اولي بلحم ثوره !! ؟؟؟
وعلى الحكومة تعتبر الزبالة قضية تخص الأمن القومى، وأن يتحركوا جادين لمواجهتها. ولا مانع من الاستعانة بأهل الخبرة والعلماء، الذين يمكنهم تقديم حلول لأزمة تمثل نوعا من العار. ولا يمكن أن يكون لدينا كل هؤلاء الخبراء فى جميع المجالات، ونظل عاجزين عن مواجهة الزبالة، خاصة أن المواطن يدفع ثمن جمع القمامة مرتين.
بالفعل المشكلة ظاهرة وممكنة الحل، فلماذا نخجل من عقد مؤتمر لمواجهة الزبالة، ولا نخجل من منظر الزبالة، الذى يمثل عارا، والقمامة نفسها قضية أمن قومى.
ولابد ان يشارك فيه رجال البحث العلمى، ورجال أعمال متخصصون فى مجال الرسيكل «إعادة تدوير المخلفات»، وشباب ومفكرون. وأن تسعى الدولة إلى رفع مستوى أجور عامل النظافة حتى يكون عامل جذب للعمل، وتعيين كوادر شبابية جديدة، وإلزام كل محل بشراء صندوق للقمامة أمام المحل وتنفيذ غرامات فورية على من يلقون القاذورات خارج صندوق القمامة، وأن يساهم رجال الأعمال فى شراء معدات وسيارات القمامة، مع تشجيع صناعة تدوير المخلفات «الرسيكل»، ونشر إعلانات التوعية.
هل تعرف أن هرقل قام باثنتي عشرة مهمة شديدة الصعوبة ، لكن من أصعب المهام التي كلف بها تنظيف زرائب الملك أوجياس. كانت تلك الزرائب تضم أكبر عدد من الماشية في التاريخ، ولم يتم تنظيفها لمدة 30 سنة. هكذا تحولت إلى مستعمرة ذباب كما صارت رائحة المكان لا تطاق، وانتشر الطاعون والتيفود في البلاد. تم تكليف هرقل بهذه المهمة من ناحية لأنها مهمة مهينة، ومن ناحية لأنها مستحيلة فعلاً.
قام هرقل أولاً بإخلاء البهائم من الزرائب، ثم قام بتحويل مجرى النهر فاندفع الماء لينظف الحظائر. وهي معجزة جديرة أن تنضم إلى معجزاته الاثنتي عشرة، لكنها أقلها كبرياء وأكثرها نفعًا للناس. أغضب هذا الملك لأنه وعد من ينظف الحظائر في يوم واحد بعُشر الماشية. رفض الدفع فقتله هرقل ووضع ابنه على العرش، ثم قام بتأسيس الألعاب الأوليمبية – على الماشي – قبل أن يرحل.
لم تفت سخرية الموقف على عين الكاتب السويسري الكبير فردريك دورنمات، فتناولها في مسرحية جميلة هي (هرقل وزرائب أوجياس)، وهي التي ترجمت في مصر باسم (البطل في الحظيرة). هرقل الذي أضنته الضائقة المالية لم يعد يجد أعمالاً يجني منها المال سوى هذا العمل المهين. إنه البطل الذي لا يفهمه أحد ولا يجد بطولات. وسرعان ما نكتشف ان الروث هو انعكاس لفساد النفوس وتلوثها. الروث هو الناس.