التجارة مع الله بقلم / اشرف عبوده
ديسمبر 28, 2018
مقالات الكتاب, مقالات رئيس التحرير التنفيذى
التجارة مع الله
بقلم / اشرف عبوده
دعنا نمضي ولا نعود … نكون سعداء بلا قيود .. فعقارب الساعة لن تعود للوراء …والأيام تمضي ولا تعود
ببساطة.. سوف تتحسن، لا توجد حياةٌ مستمرة الوجع، ولا توجدُ حياةٌ مستمرة السعادة، أنتَ بين هذا وذاك تتأرجح، فاستغلّ يوم سعادتكَ ليوم حزنك، ويوم ضعفك ليوم قوتك، ويوم قوتك لحياتكَ كلها
في اعتقادي أن القناعة والرضا هما سر السعادة وبغيرهما يشقى الإنسان لما في يد غيره, ويشقى الإنسان جرياً وراء ما لا يقدر عليه ويشقى برزق قد قدره الله له وتصبح قطعة السكر في فمه مراً علقماً ويصبح النور في عينيه ظلاماً, ويصبح ليله عذاباً , فكم من الناس البسطاء الذين نقابلهم في حياتنا ورغم أنهم لا يملكون نصف ما نملك إلا أن الابتسامة لا تفارق شفاههم, فمولود الملبس الحرير ليس دائماً أسعد الناس ومولود الملبس الخشونة ليس دائماً تعيس الدنيا, وما قد نراه من بعيد شيئاً يبعث على السعادة قد يكون في حقيقته سبباً جوهرياً للتعاسة, المال يشتري أشياء وأشياء كلها مادية, لكنه يعجز عن شراء ثانية من نوم هادىء عميق أو ضحكة صافية أو حب حقيقي. .
لقد خلقني الله رب العالمين وأرسلني إلى هذه الدنيا, وكلفني أن أقضي هذه المدة في العبودية له وبأحسن وجه, وقد أختبرني لهذا الغرض وأمتحنني. وكنت أعلم مسبقا بأن هذه الحياة قصيرة وزائلة وستمر في لمح البصر, لذا بذلت جهدي لكي أكون عبداً مطيعاً لا ينخدع بمباهج هذه الحياة الفانية وبملذاتها.
فقد يكون الإنسان غنياً ولا يكون سعيدا بغناه. وقد تكون المرأة حسناء ويكون هذا الحسنُ وبالا ً عليها. قد يكون الإنسان مشهوراً ولكن في يوم ما يعيش وحيداً ثم يموت وحيداً في إحدى الغرف دون أنيس ولا قريب. وقد ضرب الله لنا مثلا لهؤلاء قارون وكان من قوم سيدنا موسى عليه السلام, فهنا يشير الله إلى قارون و إلى الذين على شاكلته ممن خدعوا بزينة هذه الدنيا وهم ظاهراً يؤمنون بالله ولكنهم نسوا الله بانخداعهم بسحر هذه الدنيا.
كل إنسان مهما كان عمره إذا رجع إلى الوراء فأنه سيلاحظ وجود ذكريات واضحة وذكريات غير واضحة المعالم. ففي فترة الطفولة والشباب حيث مرت به ذكريات وحوادث مؤلمة وسعيدة, كان البعض منها يبعث على الفرح والغبطة, كذلك مرت عليه أوقات كان عليه اتخاذ قرارات حاسمة, وكانت هناك سنوات وجهود أهدرها عند محاولاته الوصول إلى غاياته وأهدافه. كل هذه الذكريات وإن صعب عليه تذكرها بوضوح ستبدو وكأنها لحظات سريعة جداً مرت به. لذا فإن طلب من أحدهم أن يشرح حياته التي عاشها, فسنرى أنه يحتاج إلى بضع ساعات فقط كي يلخصها لنا. إن الوقوف على هذه الحقيقة واستيعابها لا يحتاج سوى إلى بضع ثوان, فمثلاً الشخص الذي عمره 40 عاماً والذي يأمل بالعيش حتى 65 عاماً عليه أن يدرك جيداً أنه كما مضت الأربعون عاماً بهذه السرعة كذلك فالمتبقي وهو 25 عاماً سيمضي بنفس السرعة التي مرت بها الأعوام الأربعون السابقة.
عزيزى أيها القارئ: إنها دعوة من الله سبحانه وتعالى للتجارة معه تجارة لا تخسر ولا تبور. يبيع فيها المؤمن نفسه وماله لله سبحانه، والله يشتري الأنفس والأموال من عباده المخلصين الصادقين المؤمنين، والسلعة هي الجنة «ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة» وإنَّه لجزاء كبير، وفوز عظيم، يتحصَّل عليه المؤمنُ المجاهِد بنفْسه وماله في الآخرة، أمَّا في الدنيا فيبشر الله هؤلاء المخلصين بالنصر القريب منه، وإنما قال سبحانه: (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا )؛ لأنَّها غير داخلة في الفوز العظيم، وإنَّما هي مِن فوز الدنيا الذي يمتنُّ الله به على عبادِه الباحثين عن فوزِ الآخرة؛ ومن ذلك قوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: َ«إن كانتِ الآخرة همَّه جعَل الله غناه في قلْبه، وجمَع له شمْلَه، وأتتْه الدنيا وهي راغمة».
والتجارة مع الله فى الصدقة هي وجه من أوجه الخير التي يستطيع المسلم بواسطتها كسب الحسنات والتقرب من الله عز وجل، ويمكن أن تكون الصدقة شيئاً مادياً يقدم المسلم من ماله الخاص لمساعدة أخية الإنسان، ويمكن أن تكون بالسلوك الحسن، فالصدقة أخذت اسمها من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد فعند القول بأن المجتمع الإسلامي مجتمع التكافل والتضامن، فيتحقق ذلك من خلال الزكاة المفروضة والصدقات غير المفروضة، وإنما يؤديها المسلم طواعيةً بمحض إرادته. لقد حث الدين الإسلامي على الصدقات فإنها تقرّب العبد من خالقه، وتكفر الخطايا، فالصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار، كما تنقي النفس من البخل والشح وتساهم في بناء روح المحبة بين أفراد المجتمع الإسلامي.
إنّ الله -تعالى- وهب الإنسان الكثير في حياته، من مالٍ، وعلمٍ، وسعادةٍ، وأرزاقٍ كثيرةٍ ومتعددّةٍ، وعلى الإنسان أن يعلم أنّ الله -تعالى- الذي وهبه شتى أنواع الأرزاق قادرٌ بإرادته أن يسلبها منه، وأنّ كلّ تلك الأرزاق هي امتحانٌ من الله -تعالى- للعبد، وعلى العبد أن يستخدمها وفق الوجه المشروع الذي أمر به الله تعالى، فإن أدّى العبد حقّ الله فيها، فقد فاز ونجح، وإن لم يؤدّ حقّ الله -تعالى- في أرزاقه، فقد خاب وخسر؛ لأنّ الله -تعالى- قادرٌ على سلبها منه، وقد حثّ الله -تعالى- في عددٍ من آيات القرآن الكريم على أن يتصدّق الإنسان بأمواله التي رزقه الله -تعالى- إيّاها، وإنّ ذلك دليلٌ على أهميّة إخراج الصدقة، وعظم أجرها، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم)، فعلى الإنسان أن يجتهد في إخراج الصدقات، وأن يُخلص النّية في ذلك لله تعالى، وأن يبتغي بها وجهه، فمن كان مريضاً، فليخرج الصدقة بنيّة الشفاء والمعافاة. والصدقة بنيّة الشفاء لأيّ مرضٍ كان، سواءً أكان يرجى شفاؤه بسرعةٍ، أم كان مرضاً مزمناً يحتاج إلى وقتٍ، فهي صدقةٌ مشروعةٌ جائزةٌ بإذن الله تعالى، فكلّ الامراض جعل الله -تعالى- لها شفاء بإذنه، ودليل ذلك قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما أنزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنزلَ لَه شفاءً)، فإنّ الشفاء من الأمراض بيد الله تعالى، والصدقة تكون بحسب حال المتصدّق، فإنّ للإنسان أن يتصدّق بما يستطيع، فربّما يكون ميسور الحال فيتصدّق بالكثير، وربّما يكون الإنسان غير ميسور الحال، فيتصدّق بما عنده ممّا يستطيع، ويمكن للإنسان أن يقوم بإخراج الصدقة مرّاتٍ عديدةٍ، فهي غير مشروطةٍ بكمٍ محدّدٍ، وليدعُ الإنسان الله -تعالى- أن يقبل إخراجه للصدقة، فإنّ الصدقة من أبواب الخير.