الإعلام والقيم الاجتماعية
بقلم الدكتور / محمد طه
كلية التربية – جامعة طنطا
لم تعد الأسرة المؤسسة الوحيدة للتنشئة الاجتماعية فقد بات مؤكداً تراجع دور الأسرة التقليدى فى ظل وسائل الإعلام التى إحتلت مكانة كبيرة فى المجتمعات العربية حيث سعت إلى توجيه الأجيال الصاعدة ، وأصبحت عنصراً مهماً بالنسبة للمؤسسات المتحكمة فى مصير الشباب العربى والتأثير فى اذواقه على وجه الخصوص . ويرى علماء النفس والاجتماع أن الشباب يتغذى فكرياً ، ويكون شخصيته اعتماداً على النماذج التى يقوم ببثها الإعلام.
إن أطفال اليوم يواجهون عدة جبهات وقنوات تنشيئية ، يصارعون من خلالها مجموعة متفرقة من التحديات الثقافية المعقدة ، وتعكس واقع مجتمعاتهم المعاصرة من جراء الكم الهائل من الوسائط الاتصالية والإعلامية التى أصبحت تحل محل الخلايا التقليدية فى توجيههم . فقد بدأ الطفل يفقد الكثير الضرورى لتكوين رؤية سليمة لكل ما يحيط به من مواقف وقيم واتجاهات ومعايير معقدة وغريبة بل ومتناقضة أحياناً ، الأمر الذى جعله يفتقر إلى إمكانات احتواء عناصر التوافق الاجتماعى المطلوب. فالوسائط الإعلامية تعتمد فى تنشئتها على الإثارة والمتعة والاستحواذية من خلال الصورة والصوت واللون والحركة ، فى حين أن الأسرة تعتمد أنماطاً تقليدية فى التوجيه تستلهم أساسياته من الدين والعرف والتقاليد الموروثة الأمر الذى أوقف الأسرة عند مفترق الطرق من حيث تنشئتها لأبنائها ، بين ما هو تقليدى متأصل يمت إلى الهوية الحضارية العربية وما هو حديث وغريب ، حيث تجد نفسها وجهاً لوجه أمام صراع حاد بين تنشئتين : تقليدية فى أحضان الأسرة والمدرسة ،ِ وتواصلية من خلال التلفزيون ، السينما ، الصحافة …الخ .
ويلاحظ من تحليل البرامج العربية الموجهة للطفل أنها لا تهتم أو تضع فى تخطيطها بناء صورة ذهنية محددة لدى الطفل ، سواء عن مجتمعه المحلى أو مجتمعه العربى ، ولم تحدد الملامح الاجتماعية للأسرة أو المرأة العربية أو الطفل العربى عموماً ، بينما ترسم أفلام الكارتون المستوردة بعض الصور السلبية عن المجتمعات العربية ، حيث تبدأ عملية الغرس الثقافى بتكوين صورة نمطية ذهنية لدى الأطفال العرب عن مجتمعاتهم العربية مقارنة بالمجتمعات الخارجية مما يؤثر على الطفل العربى بشكل عام ويزعزع انتماءه إلى وطنه العربى ، إضافة إلى أن البرامج الإعلامية قد تحمل العديد من القيم المغايرة فى مضمونها لقيمنا ، بل إنها قد تتنافى مع قيمنا وعاداتنا . ورغم ذلك فإن الكثير من الشباب الذى يشاهد هذه البرامج يتشرب هذه القيم تحت شعار تقليد الحضارة الغربية كالتقليد فى الملبس وقصات الشعر …الخ ، مما يؤدى إلى التناقض بين القيم المستمدة من الأديان وبين القيم المستمدة من الممارسات والتفضيلات اليومية . ونتيجة لتعدد القنوات الفضائية وما تعرضه من ترف زائد ومبالغ فيه وقدرتها على جذب انتباه الأطفال فقد حدث انفصال تدريجى لهؤلاء الأطفال عن الواقع الذين يعيشون فيه حيث تصوروا أن الحياة تجرى على أساس النمط أو الأنماط التى يشاهدونها فى الأفلام والمسلسلات وأنها دوماً ظريفة وهادئة ، وهذا فى حقيقة الأمر عزل تدريجى للأطفال عن واقع الحياة بكل ما فيها ، ويؤثر على تكوينهم النفسى والانفعالى ، كما يؤثر فى درجة استعدادهم للتعامل مع الحياة الواقعية مما قد يؤدى ببعضهم إلى الهروب والانسحاب من واقع الحياة ، فضلاًُ عن تعميق المشاعر الذاتية لديهم أكثر من الالتزام الجماعى وتعميق إحساسهم بالاغتراب ، وتقويض أركان تماسكهم الاجتماعى وإضعاف روابطهم الأسرية وقيمها مما يؤدى إلى توطين العجز فى نفوسهم . ولابد من الإشارة فى هذا السياق إلى صانع القرار فهو محكوم بمرجعيته الثقافية والفكرية فى انتقاء مادته الإعلامية التى يتوجه بها للجمهور وعليه الالتزام بحدود القيم الإنسانية والاجتماعية السائدة فى المجتمع وعليه أن يحترم عقل الإنسان وثقافته فكل مجتمع من المجتمعات ينطلق من فلسفة معينة فالمجتمع الأمريكى مثلاُ ينطلق من فلسفات براجماتية حيث ينظر إلى المنفعة المادية ولا ينظر إلى سواها حتى لو حكم القيم والمعايير فى الحياة ، ولكن فلسفتنا تختلف عنها وتنطلق من ثوابت معينة يجب إلا يتم الخروج عنها حيث إن هذه الثوابت فى الحقيقة تبقى ثابتة لا تتغير فالصدق هو الصدق ، والكذب هو الكذب فالإعلام الهادف هو الذى يسهم فى خلق أمة انطلاقاً من هذا المعيار القيمى
أقرأ أيضا :
**جودة الحياة فى المجتمع المصرى آلام الواقع وقلق المستقبل … بقلم أ.د / محمد طه