الأزهرالشريف بين المفارقات والمواقف الخالدة
48 عالما تناوبوا على مشيخة الأزهر كلهم مصريون باستثناء اثنين
«الإمام الأكبر».. لقب جليل يحمل بداخله دلالة وقوة هذا المنصب الإسلامي الرفيع
كتب/ رءوف مصطفى
لم يكتفِ مهاجمو الأزهر بالترويج لفكرة وجود عناصر إخوانية محيطة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، داخل المشيخة والرغبة فى إصدار قرار سيادى بإزاحتهم، بل ذهب كثيرون منهم إلى الحديث عن إرهاب المناهج، وغياب الدور الحقيقى للشيخ فى مواجهة داعش ولو بتكفيرها كجماعة خارجة عن الإسلام، مطالبين برحيله وتعديل القانون الحالى للمشيخة كى يقبل بين كبار علمائها من النساء والشباب.
وعلى الرغم من إعلان الشيخ استجابته وتشكيل لجان من أجل تنقيح المناهج، وترحيل ما أمكن من موضوعات للصفوف المتقدمة خشية الالتباس والفهم الخاطئ، إلا أن هناك من بين الأزهريين أنفسهم من أعرب عن عدم اعترافه بتلك اللجان، ورغبته فى تشكيل لجنة من خارج الأزهر، مع تعديل قانون كبار العلماء ليتضمن شخصيات بارزة عرف عنها الرغبة فى تحقيق مناصب خاصة، وتجاهل هؤلاء ما قامت به المؤسسة من جهود فى إطار المواجهة الفكرية لداعش، وسعى المشيخة إلى ترسيخ مبدأ المواطنة ووأد الطائفية من خلال بيت العائلة، إضافة للقاءات الخطاب الدينى التى عقدت على مستوى المشيخة والجامعة ورابطة الخريجين.
ويعد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذى اعتلى كرسى المشيخة عام ٢٠١٠، خلفًا للدكتور الراحل محمد سيد طنطاوى، واحدًا من الشخصيات التى اتخذت من الإطار الدبلوماسى مسلكًا، حيث لم يعهده أحد خطيب منبر للجامع الأزهر أو غيره من المساجد، مكتفيًا باللقاءات السياسية التى يعقدها داخل المشيخة وخارجها، وما يلقيه من خطابات كان أبرزها خطاب المجلس الألمانى، ولقاءات «الطيب» التى عقدت لأول مرة فى تاريخ المشيخة، شملت العاهل السعودى الملك سلمان، وتبعتها زيارة العاهل البحرينى، لتكون آخر الزيارات الدبلوماسية منذ أيام على يد وزير الخارجية اللبنانى سعد الحريرى، حرصت على تلقى الدعم لما يقوم به الأزهر من إنجازات على المستوى الخارجى فى وأد الفتن الطائفية والحد من انتشار الإرهاب والإسلام فوبيا، ليبقى لقاء الزعامة الدينية مع بابا الفاتيكان فرانسيس نهاية الشهر الجارى على رأس تلك اللقاءات لمدلولاته الدينية فى إدانة الإرهاب وإقرار السلام بين المجتمعات فى العالم.
ويتمتع شيخ الأزهر الحالى بدعم كثير من الأزهريين الذين أكدوا رفضهم للهجوم ضده، واتهامه بالتقصير ودعم الإرهاب، مؤكدين أنه استطاع أن يعيد الجامع إلى تبعية المشيخة بعد ٢٢ عامًا فى معية الأوقاف، وأنه تمكن من التصدى للمحاولات الإخوانية فى السيطرة على المشيخة إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى.
كما فتح الأزهر بابًا من العلاقات الخاصة مع المسيحين فى فترة ما بعد ثورة ٢٥ يناير، من خلال استحداث بيت العائلة المصرية فى عام ٢٠١١، ليشمل ممثلى عدد من الكنائس وفى مقدمتها «القبطية الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، والأسقفية الأنجليكانية»، بل إنه حرص فى أكثر من لقاء على تأكيد الوحدة بينهم وبين إخوانهم المسلمين لعل آخرها أحداث كنيستى طنطا والإسكندرية، كما كان لمؤتمر حكماء المسلمين «المواطنة والتعايش» ما يؤكد أن القانون ضرورة للتعامل مع المواطنين بغض النظر عن ديانتهم وأن مصر تعيش وفق وحدة قوامها المسلمين والمسيحين، كما كان لشيخ الأزهر دوره فى إعادة العلاقات الغائبة مع مسيحى الغرب على مدار ست سنوات كاملة ليلتقى بـ«فرنسيس» فى المقر البابوى بالفاتيكان، ويتفقا على لقاء يعقد نهاية الشهر الجارى.
ورغم أنه لم ينظر إلى اليهود كنظرته للمسيحية، فلم يعقد معهم لقاءً هامشيًا ولا رسميًا، إلا أنه فتح مجالًا للحوار مع المعتدلين منهم فى مؤتمره الأخير عن «المواطنة والتعايش»، ودعا حكماءهم إلى المشاركة فى لقاءات حوار الأديان لإدانة العنف أيًا كان مصدره، وإقرار السلام الذى جاءت عليه الشرائع السماوية.
كما حرص الأزهر، على الترحيب بأصحاب الديانات غير السماوية، ومن خلال لقاء وفد بورما شدد مسئولوه على أن بوذا تمتع بالحكمة، وأن العالم بحاجة إلى أن يكونوا على قلب واحد، دون النظر إلى ديانات، أو جنسيات.
وشدد من خلال مؤتمره الأخير حول «المواطنة والتنوع والتكامل» أن مصطلح المواطنة أصيل فى الإسلام، مشددًا على إدانة كل التصرفات التى تقوم على التمييز وتتعارض مع مبدأ المواطنة، وتبرئة كل الأديان من الإرهاب بشتى صوره، وإقامة شراكة متجددة بين المواطنين العرب كافة، تقوم على التفاهم والاعتراف المتبادل والمواطنة والحرية، فضلًا عن رفض مصطلح الأقليات؛ لما يتضمنه من تمييز وحرمان لبعض فئات المتجمعات من حقهم فى المواطنة والمساواة.
وفى الوقت الذى يشهد هجومًا حادًا على المناهج الأزهرية، سعى شيخ الأزهر إلى تطوير المنظومة التعليمة داخل المؤسسة الدينية، حيث أصدر قرارًا يحمل رقم ٨ لسنة ٢٠١٣، بتشكيل مجموعة من اللجان لإصلاح وتطوير التعليم الأزهرى فى كل مراحله، التى تتمثل فى دمج مواد «الحديث والتفسير والتوحيد، والسيرة»، وتقرر تدريسها جميعا ضمن كتاب واحد يسمى «أصول الدين»، بعد أن كانت كل مادة لها كتاب مستقل، وتدرس على حدة.
كما تضمن إصلاح الأزهر لمناهجه قرارًا بترحيل عدد من النصوص الدينية لمراحل متقدمة خشية الالتباس وصعوبة إدراكها، بالإضافة إلى تنظيم كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر مؤتمرًا دولًيا بعنوان «تجديد الخطاب الدينى بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم»، انتهى إلى أن تجديد الخطاب الدينى منوط بالأزهر الشريف بالتنسيق مع المجامع العلمية المختصة فى العالم.
التعاون مع الوزارات لتجديد الخطاب الدينى
فى سياق تجديد الخطاب الدينى، أطلق الأزهر مبادرة «الأزهر يجمعنا» فى يناير ٢٠١٥، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، للتحاور حول تصحيح القيم السائدة وتعديل الأفكار المغلوطة التى تبنت نشرها مجموعة من التنظيمات الإرهابية، لغزو عقول الشباب والتأثير عليهم باعتبارهم الفئة الأكثر اندفاعا.
كما تضمنت مبادرته الأخيرة حول المقاهى الثقافية ترحيبًا من قبل البعض، حيث أعلنت البحوث الإسلامية نهاية العام الماضى، ما يسمى المقاهى الثقافية والتى تتضمن توزيع وعاظها على تلك المقاهى بغرض الوصول إلى القاعدة الشعبية.
رفض الأزهر إطلاق لفظ التكفير على أحد سواء أكان مسلمًا أو غير مسلم، ما دعاه للتأكيد على أن مواطنى أوروبا من أهل الفترة، فى المقابل شدد بأن داعش إرهابيون يستوجبون حد الحرابة إلا أنهم ليسوا من الكفار، ومثلهم أقر بموقفه من الشيعة. فى المقابل من التكفير حرص الأزهر على إطلاق مبادرات من شأنها إدانة الإرهاب والتحذير منه، منها مرصد الأزهر لتتبع ما يقوم به التنظيم من أعمال إرهابية وتسليط الضوء عليها بلغات عدة، أعقبه مركزًا عالميًا للفتوى يجرى الإعداد لإطلاقه خلال الأيام المقبلة لتفنيد ما عليه تلك التنظيمات من أفكار ومعتقدات تخالف الشريعة وبيان الحكم الشرعى لها مع ضبط فوضى الفتوى فى الداخل والخارج. كما أن شيخ الأزهر لم يصرح يومًا بكفر الشيعة، على غرار ما يعتقد بعض أعضاء مجلس حكماء المسلمين إلا أنه حملهم دماء المسلمين فى بعض البلدان العربية، ودعا ما سماهم بالمعتدلين إلى حوار يحقن الدماء المسلمة من الطرفين إذا ما رغبوا فى وقف الدمار الذى يتعرض له الوطن العربى، ما جعل بعض المرجعيات الشيعية الكبرى إلى مهاجمته وفى مقدمتهم مقتدى الصدر.
دعم الأزهر، الثورات فى الوطن العربى على اختلافها، وعلى الرغم من تأخر إعلان موقفه فى ٢٥ يناير، إلا أنه حرص على تقدم الصفوف فى أحداث ٣٠ يونيه، وكانت للمشيخة تأكيدها على احترام حريات الشعوب فى تقرير مصائرها مصدرة عدد من الوثائق التى تؤيد تحركات الشعوب، وإدانتها لأفعال بعض الجماعات المتطرفة. وأصدر شيخ الأزهر فى عام ٢٠١١ وثيقة «إرادة الشعوب العربية»، والتى أقرت بحق الشعوب العربية فى العيش بسلام والتأكيد على حرمة الدماء، وتضمنت فى بنودها الست المناصرةَ التامة لإرادة الشعوب العربية، معتبرة أن المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمى حق أصيل للشعوب، وقد نفت الوثيقة صفة «البغي» عن المعارضين الوطنيين «السلميين». كما كان للأزهر وثيقته الخاصة بـ«منظومة الحريات الأساسية»، تحديد الموقف الإسلامى الداعم للحريات الأساسية، كحرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمى، فضلا عن حرية الإبداع الأدبى والفنى. كما أصدرت المشيخة وثيقتها لنبذ العنف فى ٣١ يناير ٢٠١٣م، جاءت الوثيقة فى ١٠ بنود تؤكد على أن حق الإنسان فى الحياةِ مقصدٌ من أسمَى المقاصِدِ فى جميعِ الشَرائِعِ والأديانِ والقَوانين، وحرمة الدماءِ والممتلكات الوطنية العامة والخاصة، ونبذ العُنفِ بكلِ صُوَرِه وأشكالِه، وإدانة التحريضِ على العُنفِ، أو تسويغِه أو تبريرِه، أو التَرويجِ له، أو الدِّفاعِ عنه.
ساهم مجلس حكماء المسلمين الذى يترأسه شيخ الأزهر، فى تقليل حدة الهجوم على الإسلام على المستوى العالمى، حيث ساهمت مبادرة قوافل السلام، فى عدد من القارات فى التأكيد على سماحة الإسلام، وإدانة أفعال داعش والتنظيمات الإرهابية، وظاهرة الإسلام وفوبيا وتهميش المسلمين على حد سواء، مستنكرة إطلاق لفظ الأقليات المسلمة لما تحمله من معانٍ تتسبب فى الكراهية والعداوة والتفرقة بين مواطنى الدولة الواحدة.
جامع الازهر الشريف
أرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359هـ/970م
وصلى فيه الخليفة المعز لدين الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة ومقرا لنشر المذهب الشيعى فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه وبدأها القاضى أبو حنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله
وتولى التدريس أبناء هذا القاضى من بعده وغيرهم من علماء المذهب الشيعى وجانب علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك
جلس قاضي القضاة “أبو الحسن علي بن النعمان القيرواني” بالجامع الأزهر في جمع حافل من العلماء والكبراء يقرأ مختصر أبيه في فقه آل البيت، فكانت هذه أول حلقة للدرس بالأزهر، وذلك في صفر من سنة 365 هـ = أكتوبر 975 م في أواخر عهد الخليفة “المعز لدين الله” الفاطمي أول خلفاء الدولة الفاطمية بمصر.
ثم توالت حلقات بني النعمان بالأزهر بعد ذلك، وكانوا من أكابر علماء المغرب الذين اصطفتهم الدولة الفاطمية وخصتهم بعنايتها، ومن ثم لحقوا بها في مصر، وشغلوا مناصب القضاء زهاء نصف قرن.
من الجامع إلى الجامعة
ثم خطا الأزهر خطوة واسعة ليكون جامعة تُعنْى بتدريس العلوم الشرعية واللغوية إلى جانب كونه مسجدا جامعا للناس؛ ففي أوائل عهد “العزيز بالله” الفاطمي في رمضان 369هـ – مارس 980 م جلس الوزير “يعقوب بن كلس” يلقي دروسا في الفقه الشيعي من كتاب ألفه يسمى “الرسالة الوزيرية”، وكان يحضر دروسه القضاة وكبار رجال الدولة والفقهاء.
وظل الأمر على هذا النحو حتى تقدم الوزير النابه باقتراح إلى الخليفة الفاطمي باتخاذ الجامع الأزهر معهدا للدراسة المنظمة المستمرة، وذلك في سنة 378 هـ = 988م، ويتلخص مشروعه في أن تقوم الدولة باختيار عدد من الطلاب للقراءة والدرس في الأزهر بصفة دائمة، وتلتزم الدولة بأن تَكفلهم وترعاهم وتقدم لهم رواتب مجزية تُصرف لهم بانتظام وتعد لهم دارًا للسكنى على مقربة من الجامع الأزهر.
وقد استجاب الخليفة الفاطمي لاقتراح وزيره فأمر بتعيين خمسة وثلاثين طالبا كان الوزير قد اختارهم وعين لهم مسئولا يتولى تدبير شئونهم. وكان هؤلاء موضع عناية الخليفة، فخلع عليهم عطاياه في عيد الفطر، وأمر بأن يستقلوا البغال في تنقلاتهم تشريفا لهم وتكريما.
وكان مشروع ابن كلس النواة التي أثمرت وأينع غرسها، وأصبحت من الركائز التي قامت عليها الحلقات الدراسية والنظام الطلابي في الأزهر على امتداد يتجاوز الألف عام، وإن كان قد طرأ تطوير على تلك النظم، فإنه لا يغيّر من أصل الفكرة كثيرا؛ لأنه من قبيل تطور الحياة وسير عجلة الزمن التي لا تتوقف عن الحركة.
واستمر الأزهر في تقدمه أيام الدولة الفاطمية، واتسعت حلقاته، وتنوعت دراسته، وزاد عدد طلابه حتى تجاوز الألف، وشمل النساء فكانت هناك مجالس تعقد للنساء يحضرن فيه لسماع دروس العلم.. واجتذب الأزهر عددا كبيرا من العلماء للتدريس فيه.
الأزهر في ظل الأيوبيين
قامت الدولة الأيوبية في مصر سنة 567 هـ = 1171 م على أنقاض الدولة الفاطمية وعملت على إلغاء المذهب الشيعي وتقوية المذهب السني وذلك بإنشاء مدراس جديدة لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة مثل: المدرسة الناصرية لتدريس الفقه الشافعي، والمدرسة القمحية لتدريس الفقه المالكي وعرفت بهذا الاسم لقيامها بتوزيع القمح على شيوخها وطلابها، والمدرسة السيفية لتدريس الفقه الحنفي واشتهرت بهذا الاسم لأنها كانت تطل على سوق السيوفيين بالقاهرة.
وأغرى عناية الدولة بهذه المدارس وإغداق الأموال على القائمين عليها أن انتقل إليها الشيوخ والمدرسون وطلاب العلم
المماليك والجامع الأزهر
استرد الأزهر عافيته في عهد الدولة المملوكية واستعاد مكانته العالية وتجددت عمارته وأثاثه، وأقيمت فيه صلاة الجمعة لأول مرة بعد انقطاع دام نحوا من ثمان وتسعين سنة هجرية وذلك في (18 من ربيع الأول 665 هـ= 17 من ديسمبر 1267م) وكان يوما مشهودا في عهد السلطان بيبرس.
وأصبح الأزهر منذ القرن الثامن الهجري مقصد العلماء والطلاب من سائر أنحاء العالم الإسلامي بعد أن قضى التتار على بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية، وسقطت قرطبة وغيرها من حواضر العالم الإسلامي في أيدي الأوربيين في الأندلس. وتبوأ نوعا من الزعامة الفكرية والثقافية وحفلت القاهرة بفضله في تلك الحقبة بجماعة من العلماء من أمثال: النويري صاحب نهاية الأرب، وابن منظور صاحب لسان العرب، والقلقشندي صاحب صبح الأعشى، وابن خلدون صاحب المقدمة، وابن حجر العسقلاني صاحب فتح البارى بشرح صحيح البخاري وغيرهم.
الأزهر في ظل الدولة العثمانية
احتفظ الأزهر بمكانته المرموقة في عهد الدولة العثمانية التي تعهدت مبانيه بالإصلاح والترميم وبإضافة منشآت جديدة إليه وزيادة أروقته وإمداده بما يحتاجه الدارسون من كتب ووسائل معيشية، وحرصت على عدم المساس بالأراضي الزراعية التي أوقفها الناس للإنفاق من ريعها عليه.
وشهد الأزهر لأول مره في تاريخه إنشاء منصب شيخ الأزهر. ويجمع المؤرخون على أن أول من تقلّد هذا المنصب هو الشيخ “محمد بن عبد الله الخرشي” المالكي المتوفى سنة 1101 هـ= 1690م، وكان اختياره يتم دون تدخل من الدولة فإذا اجتمعت كلمة العلماء على اختيار واحد منهم لهذا المنصب الرفيع أبلغوا به الوالي الذي يتولى تقليد شيخ الأزهر الرداء الرسمي.
الأزهر يقود الثورة ” ثورة القاهرة الأولى “
تحمل الأزهر تبعات الزعامة الوطنية وقيادة الأمة والوقوف أمام المعتدي حين تعرضت مصر سنة 1213 هـ= 1798 م للحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت؛ فلم ينخدع علماء الأزهر بمحاولات التودد وإظهار التبجيل والتقدير الذي أبداه قائد الحملة نحوهم، حيث أشعلوا ثورة القاهرة الأولى في 11 من جمادى الأولى 1213 هـ = 21 من أكتوبر 1798 م والتي هاجمت الجنود الفرنسيين وفتك بهم الثوار، ولم تهدأ الثورة إلا بعد أن ضربوا الأزهر والجهات المحيطة به بالمدافع واحتلوا الجامع بخيولهم وبالوا فيه، وألقوا بالمصاحف على الأرض وداسوا عليها بأحذيتهم، وسلبوا ما وجدوا من أموال الطلبة في أروقة الأزهر، وقبضوا على عدد من مشايخ الأزهر المتهمين بالتحريض على الثورة وأعدموا بعضهم.
استمر الأزهر على موقفه من التحدي ومقاومة المستعمر بشتى الوسائل الممكنة؛ فاشترك في ثورة القاهرة الثانية التي اشتعلت في 16 شوال 1214هـ = 20 مارس 1800م ودامت 33 يوما، وكان من زعمائها من مشايخ الأزهر: محمد السادات، وعمر مكرم.. ورأى كليبر القائد العام للحملة بعد رحيل نابليون أن يستعين بعلماء الأزهر للتوسط بينه وبين زعماء الثورة، غير أن هذه الوساطة لم تلق نجاحا وقام كليبر بضرب العاصمة بكل وحشية حتى استسلمت.
وفي أثناء ذلك أقدم “سليمان الحلبي” وهو أحد طلبة الأزهر باغتيال كليبر أثناء تجوله في حديقة منزله وذلك في 21 محرم 1121 هـ= 14 يونيو 1800م، وأسفر التحقيق عن سؤال عدد من الشيوخ والأساتذة والقبض على عدد منهم وانتهت محاكمتهم إلى إعدام سليمان الحلبي وثلاثة ممن كانت لهم به صلات قبل إقدامه على عملية الاغتيال.
إغلاق الجامع الأزهر
وبعد الحادث قام الفرنسيون باتخاذ إجراءات أمن مشددة في الأزهر فقاموا بإحصاء الطلبة وكتبوا أسماءهم في قوائم وأمروا بحفر بعض الأماكن بداخل الجامع بحجة التفتيش على الأسلحة وأخرجوا منه الطلاب العثمانيين والشوام. وأحس القائمون على الأزهر أن سلطات الاحتلال الفرنسي تبيّت أمرا فرأوا تفويت الفرصة عليهم، وذلك لأن بقاء الجامع مفتوحا في مثل هذه الظروف العصيبة لا يخلو من أخطار؛ فرأى شيخ الأزهر “عبد الله الشرقاوي” ومن معه من كبار العلماء إيقاف الدراسة في الأزهر، وتعطيل الصلاة فيه فتم إغلاق المسجد وتسمير أبوابه من جميع الجهات.
وظل الأزهر مغلقا زهاء عام حتى إذا أعلنت أنباء شروع الفرنسيين في الجلاء عن مصر بادر القائمون عليه بتنظيفه وفتح أبوابه في 19 من صفر 1216 = 2 من يوليو 1801م، وحرص الصدر الأعظم “يوسف ضياء باشا” على زيارة الجامع وتفقد أحواله وسير الدراسة فيه عقب افتتاحه.. وعادت الحياة العلمية والدينية إلى الجامع، وتدفق طلبته إلى أروقته يتلقون دروسهم، ومضى الأزهر في طريقه المرسوم لخدمة الدين والعربية.
47 عالما تناوبوا على مشيخة الأزهر كلهم مصريون باستثناء اثنين
الخراشي أول من تولى المنصب عام 1101هـ
«الإمام الأكبر».. لقب جليل يطلق على شيخ الأزهر الشريف، يحمل بداخله دلالة وقوة هذا المنصب الإسلامي الرفيع. فصاحب هذا اللقب هو يترأس أعلى مؤسسة إسلامية (سُنّية) في العالم الإسلامي ولها مكانة كبيرة على مستوى العالم. فالأزهر الشريف، الذي أُطلقَ عليه ذلك الاسم نسبة إلى فاطمة الزهراء، ظل منذ تأسيسه عام 972م، قلعة ومنارة للإسلام والعلم عبر العصور، وظل حتى الآن يمثل الدعوة الإسلامية الوسطية والصحيحة في عصر امتلأ بالمغالين والمتطرفين والدخلاء على الإسلام.
ورغم عراقة الأزهر وتأثيره في العالم الإسلامي ليس فقط على المستوى الديني بل سياسيا واجتماعيا وعلى جميع الأصعدة، فإن منصب «شيخ الأزهر» لم يظهر إلا بعد مرور 741 عاما على إنشاء الجامع الأزهر، وتحديدا عام 1101 هـ عندما تولي المنصب لأول مرة الشيخ محمد بن الخراشي الذي كان يلقب بـ«شيخ الإسلام».
سبعة وأربعون عالما تناوبوا على هذا المنصب خلفا للخراشي، أبرزهم الشيخ المراغي، وشلتوت، وعبد الحليم محمود وغيرهم.. وكان آخرهم د. سيد طنطاوي، والذي شغل هذا المنصب منذ مارس (آذار) عام 1996، حتى وفاته ، خلفا للشيخ جاد الحق علي جاد الحق. ومنذ نشأته ظل منصب شيخ الأزهر يُنتخب من جانب كبار المشايخ في ما بينهم ودون تدخل الدولة، إلا أنه في عام 1911 صدر قانون الأزهر المؤسس الذي أسس «هيئة كبار العلماء» وتتكون من 30 عالما من كبار علماء الأزهر، واشترط هذا القانون أن يكون شيخ الأزهر عضوا بهذه الهيئة. وكان التجاوز الوحيد عن هذا القانون قد جاء من جانب الملك فاروق عام 1945، حينما عين الشيخ مصطفى عبد الرازق، رغم أنه لم يكن حينئذ عضوا في جماعة كبار العلماء.
ثم صدر القانون رقم 103، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1961، والذي ألغى «جماعة كبار العلماء» وحولها إلى «مجمع البحوث الإسلامية» الذي تكون من 50 عضوا على الأكثر. ومنذ ذلك الحين صار شيخ الأزهر يعيَّن قانونا من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بقرار من رئيس جمهورية مصر العربية.
وهو ما فتح الباب لتدخل السلطة وخاصة رئيس الدولة في اختيار وتعيين شيخ الأزهر، ولذلك قدم أكثر من عضو في البرلمان المصري (ينتمي معظمهم إلى جماعة الإخوان المسلمين)، مشروعات قوانين تدعو إلى تعديل نظام اختيار شيخ الأزهر ليكون بالانتخاب. وقد جرى العرف أن يبقي شيخ الأزهر في منصبه حتى وفاته أو استقالته.
شهد اختيار مشايخ الأزهر الـ47 الكثير من المفارقات والمواقف الخالدة، كان من بينها، أن جميع من تولى مشيخة الأزهر كانوا مصريين ما عدا الشيخ حسن العطار الذي تولى المشيخة عام 1830 وهو من أصل مغربي، وقد وُلد ونشأ في مصر، وكذلك الشيخ محمد الخضر حسين المتوفي عام 1958، فهو تونسي الأصل. وتولى الشيخ حسن القويسني المشيخة وهو كفيف البصر. في حين كان جد الشيخ محمد العباس المهدي نصرانيا وأسلم. أما الموقف الأبرز فقد تولي هذا المنصب الرفيع ثلاثة مشايخ من أسرة واحدة، في سابقة لم تحدث من قبل، وهم الشيخ أحمد العروسي (1778 – 1793)، وابنه الشيخ محمد أحمد العروسي (1818 – 1829)، والشيخ مصطفي محمد أحمد العروسي (1864 – 1870).
وكان أصغر شيخ تولى مشيخة الأزهر هو محمد مصطفي المراغي الذي تولى المنصب وهو ابن 47 عاما. ولعراقة وقيمة هذا المنصب ارتبط تعيين شيخ الأزهر منذ العهد العثماني بإقامة حفل كبير بهذه المناسبة يرتدي فيها شيخ الأزهر الرداء الرسمي الذي يسمي «فرو سمور» المميز لعلماء الأزهر ورجاله.
واخيراً هذه نبذه سريعة عن دور الأزهر الإقليمى والعالمى بقيادة علماء عظام نثروا الى أسماع الدنيا لآلىء من الحكم والأراء فى شتى مناحى الحياة السياسية والاجتماعية ووجه الاسلام السمح وهذه رسالة لكل من يحاول العبث والوقيعة بين مؤسسة الرئاسة وبين الأزهر وعلمائه وأدرى إثارة الفتنة بين اللحظة والأخرى رغم علمهم بما تمر به البلاد من أزمات متعددة تحاول الدولة بمختلف مؤسساتها إيجد حلول لها وجال بخاطرى الآن شاعرنا أمير الشعراء مغرداً للأزهر بقوله :
قم فى فم الدنيا وهى الأزهرا … وانثر على سمع الزمان الجوهرا
اقرأ ايضا :
** لهذه الأسباب لا يستطيع الرئيس إقالة شيخ الأزهر!