التربية الخلقية فى المدارس ….. ضرورة ملحة
بقلم/ أ.د/ محمد طه
كلية التربية – جامعة طنطا
إن السؤال الذى يتبادر إلى الذهن الآن هو : هل يعنى تدريس الأخلاق أو وضع خطة للتربية الخلقية المباشرة أو المقصودة بالمدارس لها مكانها فى الجدول المدرسى ، ولها محتواها الخاص وطريقة تدريسها ، هل يعنى كل هذا أننا سنجعل من الأطفال والشباب رجالاًُ يتمتعون بالخلق الفاضل ؟ وأننا سنجعلهم أفضل خلقاً مما هم عليه ؟ هل يمكن لعلم الأخلاق أن يصيرنا أخياراً بعد أن نكون أشراراً ؟ ما مدى النجاح المتوقع للتربية الخلقية . المباشرة فى المدارس فى ضوء الأهداف السابقة وما هى ضمانات نجاحها ؟
أعتقد أن كل هذه الأسئلة مهما تنوعت إجاباتها بالرفض أو التأكيد ، أو بالشك أو بالمحايدة ، فيما يتعلق بإمكان إحداث تغيير خلقى أفضل عند الأطفال والشباب عن طريق التربية الخلقية المباشرة ، فإن الحكم أو الفيصل هو التجربة ، ومهما كانت نسبة المستفيدين من هذه الدروس فإن هذا لا يعنى أنها عديمة الفائدة ، أو أن يدفعنا ذلك إلى التشاؤم والتخاذل ، أضف إلى ذلك أنه طالما كانت كل أفعالنا قابلة للاستحسان أو الاستهجان ، ولأن توصف بأنها خيرة أو شريرة ، صحيحة أو خاطئة …. إلى غير ذلك من الاحكام الأخلاقية ، فإن الأخلاق بهذا المعنى لها وجودها الحقيقى الواقعى الفعلى فى حياتنا اليومية ، ومن ثم يجب أن يكون لدينا كأفراد إنسانيين وعى كاف بمحتواها ومفاهيمها ومبادئها ومصادرها .. مما تتناوله دراسة الأخلاق ويدور حوله الجدل فى الأمور المتعلقة بالأخلاق ، وِأن يكون لدى المربى أو المدرس وعى واستبصار بهذه الأمور بحيث يصبح هو بدوره قادراً على أن يحقق فى طلبته القدرة على الفهم والموازنة والحرية فى اتخاذ القرارات والأحكام الأخلاقية ، وتقدير المسئولية ، وغيرها من الصفات ومقومات الأخلاق الفاضلة .
هناك رأى يرى أن مثل هذه الدروس سوف لا تضمن أن قرارات الشباب ستكون دائماً صحيحة ومنطقية ومقدرة من الآخرين ، ولكنها مع ذلك قد تساعدهم على الأقل – فى التعرف على مسئولياتهم تجاه أنفسهم وتجاه جيرانهم وزملائهم ، وإذا أمكن لهذه الدروس أن تزيد الإدراك الأخلاقى ، وأن تسن أو تشحذ البصيرة الأخلاقية ، للكثير من المواطنين فى المستقبل ، فربما نكون بذلك قد تمكنا من خلق أو إيجاد ظروف تجعل احتمال وجود مجتمع مسئول أخلاقياً ممكناً .
وإذا أصبح لدروس التربية الخلقية مكانها فى الجدول الدراسى فإن من الخطأ أن نحكم على نجاحها من إعداد هؤلاء الأفراد العقلاء المهذبين من الشباب الذين يتخرجون من المدارس ، فمثل هذا الاتجاه غير عادل وخاطئ ، فنجاح مثل هذه الدروس لا يقاس بأعداد المهتدين أو الذين أمكن هدايتهم من المرتدين .
وحيث أن الإنسان كائن أخلاقى ، وأن الخبرة الخلقية هى أحد مقولات أو تقسيمات الخبرة الإنسانية ، وحيث أن أحد أساليب أو أنواع النشاط الذهنى ، وأن أحد المداخل الخاصة بالنظر إلى العالم هو الطريق أو الأسلوب الأخلاقى ، إلى جانب المداخل الأخرى ، المنطقية والعلمية والتاريخية والدينية والجمالية … فإننا نجد أن الأسباب والمبررات التى تدعو لوجود مواد الدراسة المختلفة فى المدرسة من رياضة وعلوم وتاريخ ودين ، هى أيضاً تنسحب على التربية الخلقية لتأييد وجودها بالمدرسة فى صورة مادة تقوم على النشاط ، ونحن نحتاج إلى أن ندرب أطفالنا على هذه الوجوه الأساسية أو الرئيسية للخبرة الإنسانية بالإضافة إلى الأوجه الأخرى ، ومثل هذه الدروس لا تهدف إلى الضغط على التلاميذ أو التحكم فيهم وتلقينهم كيف يمكنهم أن يتبنوا اتجاهات معينة وأن يسلكوا الطريقة المقبولة من الآخرين فى المجتمع ، ولكن المتوقع من مثل هذه الدروس أن تساعد التلاميذ تدريجياً على نمو وعيهم الأخلاقى ، وأن تزيد من قدرتهم على فهم طبيعة الحكم الأخلاقى ، وأن يدركوا أهمية السلوك العاقل المتزن المسئول ، والآثار التى تترتب على الاختيار الحر – فى ضوء القواعد الأخلاقية – للسلوك الأخلاقى.
اقرأ أيضا :
**التربية والصناعة الثقافية … بقلم/ أ. د . محمد طه
**الإعلام والقيم الاجتماعية … بقلم أ.د / محمد طه
**جودة الحياة فى المجتمع المصرى آلام الواقع وقلق المستقبل بقلم / أ.د/ محمد طه