السحروالحسد والجن.. بين القرأن الكريم.. والموروث الخرافي
– جلب الحبيب و تسهيل الزواج وزيادة المحبة وفك المربوط وارجاع المطلقة ورد الغائب وزواج العانس هي وسائل الدجال للإيقاع بضحاياه
– المشعوذ يشعل البانجو في البخور لتخدير ضحايات ثم تصويرهن عاريات واغتصابهن
– ممارسة الجنس شرط الدجال لحدوث الحمل
– التنقيب عن الأثار والذهب هي احدث طرق الدجالين حاليا
– 63% من المصريين يؤمنون بخرافة السحر منهم 11% من المثقفين والرياضيين والفنانين.
– الاسلام دين علم لا شعوذة
– الاعتقاد بالسحر الاسود هو هروب من الواقع
– يجب غربلة التراث الاسلامي والإبقاء فقط على ما يوافق الكتاب والسنة
– الانسان البدائي لم يكن لديه القدرة على استيعاب العلم والمنطق فاعتقد في السحر لتفسير ما يعجز عقله على تفسيره
– الحسد شعور سلبي ونار تأكل صدور الحاسدين ولا سلطان له على الغير
– انتقادنا لبعض من الموروث لا يعني القفز فوق الثوابت والحقائق
– مهما كان التراث قديما فلن يعطيه قدمه حق البقاء
– 75% من المصريين يتحاشون القطط والكلاب ليلا لاعتقادهم ان الجن يتشكل بهم
إن الوقوف بالفكر والإدراك والاستنباط عند زمن معين يخالف النص القراني, لان النص لا يقتصر على زمن معين او طائفة معينة, بل هو خطاب عام يخاطب الناس في جميع الأزمان والأمكنة. وقد وجد النص القراني للعمل به وليس للتبرك به فقط.
ان تقديس التراث الاسلامي دفع البعض الى ان ينزله منزلة القرأن وينظر اليه نظرة تقديس بل ان هناك من وضع التراث في مرتبة اعلى من القران الكريم, ولكن القران الكريم والسنة المطهرة وحيان من السماء وهما فوق التاريخ ومتغيراته وكل ما عداهما هو تراث قابل للاخذ والرد والتفسير والتأويل.
يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: المسلمون الان عبء ثقيل على الاسلام, وهم لا يستحقون الحياة إلا اذا انصفوا الوحي النازل بين ظهرانيهم, وخلصوه من جهلهم المعيب قرنا بعد قرن.. لا قداسة إلا للوحي الاعلى ولا مكانة إلا للرجال الذين احسنوا الفقه فيه والعمل به.. يجب ان تغربل الافكار والمذاهب والاعراف والتقاليد التي سادت تاريخنا فمهما كانت تلك الافكار قديمة فلن يعطيها قدمها حق البقاء, والاحترام للحق وحده فقط.
ورأى الامام الغزالي انه لكي يكون انتماؤنا للاسلام واقعا ملموسا لا بد من غربلة التراث الاسلامي الذي أل إلينا في هذا العصر لاستبقاء ما يوافق الكتاب والسنة واستبعاد ما عداه.
حيث ان الموروث حمل إلينا في بعض جوانبه ما ينقضه كتاب الله تعالى وهذا دليل على ان الموروث فيه ما ليس من منهج الله تعالى, ولكن لا يعني ذلك ان كل ما وصل إلينا ليس صحيحا ولا يبرر ذلك لنا القفز فوق ثوابت فطرية وحقائق متواترة.
ليس غريب علينا ان نسمع كل يوم عن اخبار وسلوكيات وتبريرات تعكس مدى الخلل النفسي لدى البعض ممن يعتقدون ان السحر المذكور في القران الكريم هو تلك الاعمال التي يقوم بها المشعوذين والدجالين والتي انتشرت كثيرا في المجتمعات العربية واتخذت صور واساليب كثيرة منها: الاتصال بالجان… تحضير الارواح… قراءة الفنجان والتنجيم والزار. ومن اكثر ممارسات الشعوذة في عصرنا الحالي هي عمليات إخراج الجن من اجساد المرضى واستتبع ذلك وجود الالالف ممن يقومون بإخراج الجن ويدعون انهم مشايخ وهم في الحقيقة من انصاف المتعلمين الذين يملؤن عقول العامة بتفسيرات ملتوية لتأكيد قوة وسيطرة الجن عليهم وعلى حياتهم حتى وصل الحال الى انتهاك حرمات النساء والتعدي عليهن وعلى اعراضهن.
نشأة خرافة السحر
بدأ الاعتقاد بالسحر بمعناه الخرافي عند الانسان البدائي فلم يكن لديه القدرة على استيعاب العلم والمنطق, وبالتالي لجأ إلى الاعتقاد في الطبيعة والسحر لتفسير ما يعجز عقله عن تفسيره, وايضا تجد الان ان بعض الافراد من اجل الهروب من الواقع الذي يعيشون فيه يلقون اللوم على الاخرين لتبرير مشكلاتهم فيقومون بتصديق الخرافات والمعتقدات الخاطئة كالاعتقاد في السحر ثم يؤمنون بها على انها حقائق ومسلمات ويصبح كل ما يصيبه نتيجة لسحر او تسليط جن, ونظرا لان الفرد لا يستطيع تحمل القهر والعجز او تقبل بعض المشكلات التي يتعرض لها فهو يحاول البحث عن حل يستوعب المأساة التي يمر بها فيقوم باللجوء الى الخرافات والوهم من اجل تجميل الواقع ومحاولة السيطرة على المشكلات.
وفي دراسة اجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ونشرت عام 2004 كشفت تلك الدراسة ان المصريين كغيرهم من الشعوب مؤمنون بخرافة السحر بينهم 11% من المثقفين والرياضيين والفنانيين والسياسيين, كما توصلت الدراسة الى ان معدل إنفاق العرب على الدجل والشعوذة يفوق 5 مليار دولار سنويا ينفق المصريون وحدهم 10 مليارات جنيه سنويا.
واكدت الدراسة ان 75% من المصريين يتحاشون التعامل مع القطط والكلاب ليلا لاعتقادهم ان العفاريت تتشكل في اشكال هذه الحيوانات, كما يعتقدون ايضا ان الجان قادر على الزواج من النساء والانجاب منهم والعكس.
صور وممارسات الدجالين
الدجال او النصاب لا تنضب حيله, ولا يجف منهل ألاعيبه فهو دائم التفكير في كيفية الايقاع بك واخذ اموالك وانت راض تماما, وقد استطاع المشعوذين والدجالين استغلال احلام الناس وبالأخص الفتيات والشباب للنصب عليهم واستغلالهم لإرضاء شهواته الجنسية ولجني اموال طائلة وهو في سبيل ذلك يستخدم عدة طرق ومنها:
تصوير النساء عاريات وممارسة الجنس لحدوث الحمل
حيث يقوم الدجال بنشر اعلانات على بعض وسائل الاعلام يدعي قدرته على جلب الحبيب ورده او تسهيل الزواج وزيادة المحبة بين المتخاصمين والمتنافرين وفك المربوط وجلب قلوب وعقول الناس وجلب الحظ والقبول وارجاع المطلقة ورد الغائب وزواج العانس وذلك كله على خلاف الحقيقة وعندما تصل الضحية اليه يقوم باستغلالها وبتصويرها عارية وذلك عن طريق استخدام مخدر البانجو او الحشيش او انواع يستخدمها هو كمخدر وفقدان التوازن.
وقد قامت الإدارة العامة لمباحث الاداب بإلقاء القبض على احمد التيجاني المغربي بتهمة النصب على ضحاياه من المواطنين وقيامه بتصوير بعض النساء عرايا فقامت فرقة من وزارة الداخلية بالاشتراك مع بعض قيادات ادارة المباحث بالتوجه الى منطقة بولاق وتم القبض عليه, وكذلك نشر موقع الاذاعة والتلفزيون ان احدى السيدات بالزاوية الحمراء بالقاهرة ذهبت الى احد الدجالين للاستعانة بتسخيره للجن للصلح بين ابنتها وخطيبها, وبمقابلته طلب منها احضار ابنتها (لفك الاعمال) مدعيا انها أوامر من الجن.. وقامت السيدة باحضار ابنتها للمشعوذ فأوهمها ان الجن يريد معاشرتها لجلب الحبيب وطلب منها مبلغ 4000 جنيه وعندما رفضت حاول اعتصابها فقامت بالابلاغ عنه وتم القبض عليه وتم ضبط كمية من بذور البانجو وملابس داخلية حيث اعترف المتهم باستخدامه لبذور البانجو في البخور ليتسنى له تخدير زبائنه ممن ترفض المعاشرة ويقوم باغتصابهن او معاشرتهن بعد ايهامهن بانها اوامر من الجن.
اما التي تعاني من عدم الانجاب فيطلب منها الدجال ممارسة الجنس معه على اساس ان جسده مقدس وان الذي سيمارس معها الجنس هو روح وقوة خارقة ستثبت الجنين بداخلها بعد عدة مرات من الممارسة معه.
التنقيب عن الاثار والذهب
يعد التنقيب عن الاثار هي احدث طرق الدجالين حاليا حيث يقنعون ضحاياهم بقدرتهم على تسخير الجان لاستخراج الكنوز الاثرية من باطن الارض ومن ثم يأخذون منهم مبالغ طائلة دون الحصول على شيء.
وفي تصريح لمدير منطقة اثار الفيوم يؤكد ان الدجالين ينصبون على المواطنين الحالمين بالعثور على الاثار من اجل الثراء السريع ويوهمونهم بأن منازلهم يوجد اسفلها مقبرة اثرية فيحفر الضحية اسفل منزله لفترة تستمر عدة اشهر ثم يختفي الدجال او النصاب لفترة فيبحث عنه الضحية من اجل مساعدته في البحث عن الكنز وعندما يعود اليه يخبره بان الكنز لن يفتح الا باستيراد بخور من المغرب او الحبشة. ويضيف السيد مدير منطقة اثار الفيوم فيخبرهم الدجال انه بعد استيراد البخور سيتم التعزيم عليه حتى يفتح الكنز, وهذه البخور تكلف مئات الالاف وعليهم النصف من هذه التكلفة وهو سيتحمل النصف الاخر حتى يخرج الكنز ويكون له نسبة منه وبعد ان يحصل النصاب على المبلغ يختفي تماما.
وذكر موقع جريدة الوطن الالكترونية انه حدث في قرى مركز سنورس ان حضر اليها احد الدجالين وحفر في منزل احد الاهالي وبعد الحفر اخبرهم بان الكنز عبارة عن ذهب ولن يفتح الا اذا رأى الجن ذهبا مثله وطلب منهم جمع كمية من الذهب من اهالي القرية, وبعد حصوله على الكمية طلب منهم عدم الخروج من منازلهم في يوم معين بزعم ان الجن ستنتشر في الشوارع ثم هرب بكميات الذهب التي جمعوها اليه.
العين والحسد
مازال المسلمون يعتقدون بالعين وضررها وعلاجها وألصقوا العين بالحسد لتبرير صحة اعتقادهم كما انهم جعلوا للعين علاجا فيؤمر بأن يتوضأ ثم يغتسل منه, اما انك لو انكرت الاعتقاد بالعين امام احدهم سيجيب عليك سريعا انها مذكورة في القرأن ويقصد بذلك الحسد ويسرد بعض الاحاديث ويستشهد باسطوانتهم المعهودة (بما انك تصدق بانتقال الذبذبات غير المرئية بالهواء فيجب عليك الإيمان بجميع الغيبيات الدينية ومنها العين وتأثيرها غير المرئي). ولكن ماهو مذكور في القرأن على خلاف ذلك تماما فالحسد المذكور في القرأن هو مجرد تمني زوال النعمة عن الاخرين ولكن يبقى حسدا لا قيمة له إلا اذا انتقل من مرحلة التمني الى مرحلة التنفيذ, اي يشرع الحاسد في تنفيذ امنيته بيده, اما غير ذلك فهو شعور سلبي ونار تأكل صدور الحاسدين ولكنها في الحقيقة لا سلطان لها على الغير مطلقا.
والان نبين ما المقصود بالسحر في القرأن الكريم ونبدأ بتعريف السحر اولا:
السحر في اللغة واستنادا الى تفسير القرطبي هو التمويه بالحيل والتخايل, بمعنى ان يفعل الساحر اشياء ويخيل للمسحور انها بخلاف ماهي عليه كالذي يرى السراب من بعيد فيخيل اليه انه ماء. وقيل ايضا انه الصرف فيقال ما سحرك عن كذا اي ما صرفك عنه, وقيل هو الاستمالة, وكل من استمالك فقد سحرك.. وقال فخر الدين الرازي السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ويبدو على غير حقيقته وجرى مجرى التمويه والخداع (المصباح المنير ص 268).
انواع السحر في القرأن
باستقراء أيات القرأن الكريم نجد ان السحر الذي يقصده القرأن يأخذ اشكال معينة ليس منها ما يتصوره اغلب الناس.. وهي كالتالي:
اولا: سحر التخيل
قال تعالى: (قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم انها تسعى).. يبين من ذلك ان السحر المقصود هنا محله (العين والمخيلة) وليس الوجود الفعلي او الموضوع خارج الذهن.. فالسحر كله داخل الذهن لان العصي والحبال لم تتحرك فعلا ولم تسعى, فالساحر هنا يستخدم قوانين النظر والرؤية فهو يعلم بهذه القوانين, وربما يعلم مالم يتوصل إليه العلم بعد او سبق العلم في معرفته.. فمثلا في مجال الإدراك البصري فإن العين ترى الاشياء كما هي فاذا تعاظم الشيء في الصغر فإن العين المجردة لن تدركه ولكن هذا لا يعني انه غير موجود, كذلك اذا تسارعت حركة الاشياء لسرعة فائقة فإن العين ستراها ساكنة لا تتحرك,, فالساحر يستخدم تلك الحقائق العلمية لخداع الناس وجعلهم يرون الاشياء على غير حقيقتها, وهذا السحر الخيال محله العين فإذا اغمض الانسان عينه فلن يسحر, ويتفاوت تصديق الناس للأمر حسب معرفتهم بأصول اللعبة, لذلك اذا رأيت شخص يقطع شخص اخر إلى جزئين او يخرج حمامة او ارنب من قبعته فالعلم انها خدعة.
ثانيا: سحر العقل والنفس:
يقول تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه), فهذا التفريق هو سلوك لا يمكن ان ينتج إلا عن طريق العقل والنفس, وينقسم الى نوعين:
النوع الاول: الوسوسة للرجل او المرأة عن عيوب كل منهما وإقناعهم بوجود البديل الافضل في حالة الفراق, فهو تفريق بين اي علاقة اجتماعية وإنسانية كعلاقة الزوجية.. الاخوة… الصداقة… القربى..ألخ وتعني الوقيعة بين افرادها, وغالبا ماتقوم به النساء بعضهم البعض نتيجة الحسد والغيرة او الانتقام او من منطلق الجهل حتى تفرق بينها وبين زوجها, وهذا السحر محله (الاذن) لذلك نجد ان الكفار الذين استمعوا للقرأن قالوا: (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) ومنعوا الناس من الوصول للرسول صلى الله عليه وسلم والاستماع إلى القرأن, وكان فيما قاله عتبة بن ربيعة للكفار بعد سماع القرأن من الرسول: يا معشر قريش اطيعوني وجعلوها بي.. خلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه واعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ… قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرا).
اذن فسحر العقل والنفس هو الوسوسة للناس بالكلام للتفريق بينهم ويؤكذ هذا المعنى قوله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد) فكلمة (عقد) ومفردها (عقدة) هي كل رابطة قوية او علاقة متينة بدليل قوله تعالى: (ولاتعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب اجله) فالله تعالى اطلق على رابطة الزوجية لفظ (عقدة) ووجهنا في اية اخر ا ن تستعيذ بالله من كل شخص يحاول ان ينفث سمومه للوقيعة بين الزوجين او في اي رابطة انسانية.
الحالة الثانية: سحر العقاقير
حيث يقوم الساحر بإعطاء مادة معينة لشخص عن طريق الطعام او الشراب او الحقن يؤثر على الجهاز العصبي فيصاب بالتشنج والرعشة والرجفان او يصاب بحالة هلوسة عقلية نحو التخيل بوجود اشياء غير واقعية او سماع اصوات غير موجودة او شعور بالخطر وان هناك من يريد قتله إلى غير ذلك من الامراض العقلية والنفسية التي تنتج عن اعطائه هذه المادة, فهذا السحر يكون من خلال تأثير الناحية الفيزيولوجية على السيكولوجية وكما هو ملاحظ ان هذا السحر هو علم يتعلق بالعقاقير والأدوية وتأثيرها على النظام الفيزيولوجي للجسم الذي بدوره يؤثر في النظام السيكولوجي فيصيبه بالخلل فيعتقد الناس انه قد اصابه مس من الجن.
واخيرا نجد ان هناك فارق عظيم بين المقصود بالسحر في القرأن الكريم وبين اعتقاد الناس ومفاهيمهم المغلوطة عن السحر وتسخير الجان والتلبس ولكن علينا ألا نأخذ إلا بما هو موجود بين دفتي القرأن الكريم حيث يقول الله تعالى : تلك أيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله واياته يومنون).
دراسة كتبها: سامى فتحى