هل نواب المحافظين هم محافظين الغد
بقلم / اشرف عبوده
حينما نبحث في الأسباب الحقيقية لتفشّي الخلل في الإدارة، وتفاقم الفساد المالي والإداري، وتراجع وانحسار الكفاءات الإدارية وانكفائها، وانخفاض مستوى الإنتاجية في مختلف المحافظات والوحدات المحلية والجامعات والوزارات الخدمية ومؤسساتنا وهيئاتنا ، فإننا نجد أن تلك الأسباب تكمن بالأساس في معايير وأسس اختيار العناصر التي نمكنها من مناصب قيادية، وهي للأسف غير مؤهلة ولا تملك مفهوم القيادة الإدارية، ولا معرفة بتوظيف عناصر العمل الإداري والبشري والفني، ولا تحكمها معايير الشفافية والموضوعية.
من هنا نجد أن العمل الإداري والفني والإنتاجي في تراجع، ومن الطبيعي أن تتفشى فيه صور الفساد الإداري والمالي والإنتاجي في دولتنا، وإذا لم تتم معالجة الخلل الإداري بطريقة حازمة، وتوضع له معايير وعناصر وأسس موضوعية عملية وقانونية تحمي العمل الإداري، وتصون حقوق الناس، وتخدم أهداف المجتمع، فإننا لن ننتظر تنمية إدارية أو فنية، ولن يكون هناك تطوير فعلي وحقيقي للبيئة الإدارية في دولتنا، وسيصاب العمل الإداري فيها بالشيخوخة، والفساد الإداري إلى خلايا جهازنا الإداري.
من الواضح أن الحكومة المصرية تفضل التعيين، لأنه فى الغالب تريد أن تكون متأكدة ممن يتولى الإشراف على الأجهزة التنفيذية فى كل محافظة، هل يمثل شعب المحافظة لدى الدولة أم أنه يمثل الدولة فى مواجهة شعب المحافظة؟. طبعا يمكن ولابد أن يجمع بين الأمرين، فيكون حلقة الاتصال بين الطرفين ولكن الغالب أن الولاء الأكبر هو لمن وضعه فى منصبه، فيكون حرصه الأكبر هو إرضاء رئيس الوزراء، والحكومة ويصرف النظر إلى حد ما عن إرضاء مواطنى محافظته. ، ولكنه كان متأكدا من بقائه فى منصبه، لشعوره أنه مسنود فى دوائر الدولة العليا.
والاعتراض الشائع على مثل هذا الاختيار أن ذلك من شأنه تعريض القيادة المحلية لضغوط من الأقارب والمعارف لمجاملتهم على حساب المصلحة العامة. والواقع أن هذا يعنى افتقاد الثقة فى قدرة هذه القيادات على الفصل بين التزامات المنصب والولاء للعصبيات. وهناك مسألة المؤهلات التى تتمتع بها هذه القيادات وتمكنها من خدمة المواطنين. العمل فى المحليات له قواعده وقوانينه وخبراته، وقد استبعدت هذه التعيينات أصحاب الخبرة فى هذا المجال، وهم كبار العاملين فى المحليات مثل سكرتيرى المحافظات. وقد استقرت هذه القاعدة غير المفهومة باستبعاد العاملين فى المحليات من تولى المناصب القيادية فيها.
وإذا ما استمر الأخذ بهذه القاعدة فلابد من الاستعاضة عنها باشتراط اقتطاع هؤلاء المحافظين الجدد بعضا من وقتهم يقضونه فى مركز سقارة للتنمية المحلية، وهو المؤسسة التى تتولى تدريب العاملين فى الأجهزة المحلية، وذلك حتى يتلقون المعارف والخبرات الضرورية لمزاولة العمل القيادى فى المحليات، ولاشك أن وظائفهم السابقة فى الجامعات أو القضاء أو شركات القطاع العام أو الوزارات المختلفة لم تهيئ لهم ذلك.
“لايوجد لدينا معايير منضبطة فى مصر لاختيار المحافظين”، فى مصر هناك بعض المحافظين يأتون ويرحلون ولا يعلم أحد أسباب إقالتهم، ولكن على الجانب هناك بعض المحافظات لها اعتبارات مختلفة مثل المحافظات الحدودية، ونحن نتفهم طبيعة هذه المحافظات، وغالبا ما تكون من نصيب قادة القوات المسلحة.
ولكن هناك علامات استفهام على اختيارالمحافظين فى الدلتا والوادى والصعيد، لا نعلم عنها أى شىء وماهى المعايير التى تم اختيارهم عليها.
هل قانون المحليات الجديد سوف يعالج هذه المشلكة لأنه وضع ضوابط اختيار المحافظين ونوابهم والكوادر التى تعمل داخل المحافظات بطريقة صحيحة وبشكل منظم، وهل هناك مجموعة من الشروط التى يجب أن تتوافر فى المحافظين الجدد، أهمها أن يكون لديه القدرة على النزول إلى الشارع والتواصل مع المواطنين، وأن يكون هناك حوار مجتمعى مع سكان المحافظة، بالإضافة إلى أن يكون لديه القدرة على المصارحة ويجب أن يشعر المواطن البسيط أن المحافظ واحد منهم ويعلم بالمشاكل التى يعانى منها.
أن هذا القانون سوف يحدث طفرة كبيرة جدا كما أنه سوف يساعد على القضاء على البيروقراطية والروتين الذى خيم على المحافظات منذ عقود، كما أنه أعطى الكثير من الصلاحيات للمحافظ ليكون “رئيس الجمهورية فى مكانه” ولكنه يحتاج إلى عقليات أخرى تنفذه غير موجودة الآن.
نحتاج إلى محافظين يعملون على أرض الواقع كما نحتاج محافظ لديه القدرة على اتخاذ القرار، وفتح آفاق جديدة للشباب وخلق فرص عمل واستغلال إمكانيات المحافظات وليس إهدارها، لا نحتاج من يعملون من داخل المكاتب، فلا يصح أن تكون الدولة تحارب من الخارج ومن الداخل، والمحافظين غير أكفاء.
أما فيما يخض المعايير التى يتم أختيار المحافظين بناء عليها إن هذا الأمر يتعلق بإمكانيات المحافظة نفسها، فهناك بعض المحافظات لديها طبيعة معينة تختلف عن الأخرى وتحتاج إلى شخصية بمواصفات خاصة، فالمحافظات الحدودية تحتاج إلى رجل عسكرى فى المقام الأول، أما العاصمة فتحتاج إلى رجل ذى رؤية واضحة يمتلك من الخبرات الكثير.
نحتاج إلى رجل قوى يمتلك خبرة التعامل مع الأزمات والمواقف الطارئة وأن يكون لديه فكرمستنير يعمل على أرض الواقع وليس من داخل المكاتب وأن يكون على دراية بإمكانيات المحافظة وكيفية تطويرها، كما أنه يفضل أن يكون المرشح لمنصب محافظ أن يكون أكاديميا ومتدرجا في أحد المناصب في الجهاز الإداري للدولة، بالإضافة لضرورة أن يكون من أبناء المحافظة ذاتها ،أنه يجب أن يتوافر لدى المحافظ رؤيه استراتيجية ويمتلك أفكار خارج الصندوق، وانه يجب أن يجيد فهم ملفات الإدارة المحلية من عشوائيات وعقارات مخالفه وتخطيط عمراني بالإضافة للباعة الجائلين وادارة السرفيس والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات العامة و القومية داخل نطاق المحافظة التي يرأسها، أنه يتعين على المحافظ أن يكون لديه الايمان الكافي بتطبيق اللامركزية، بالإضافة لفهم القوانين المتعلقة بالمحليات، وأن يكون قادر علي التطوير المستمر وادخال التكنولوجيا ومحاربة الفساد والمفسدين في الإدارة المحلية.
ولا ننسى أن هناك 3185 قانون ولائحة وقرار يتعلقون بالإدارة المحلية لابد ان يكون المرشح لمنصب المحافظ مدرك لهم ويجيد السلوك الاداري التنظيمي للعاملين داخل نطاق المحافظة، بالإضافة لضرورة وعيه بالقوانين المتعلقة بقانون الخدمة المدنية والعشوائيات وقانون البناء الموحد وقانون الادارة المحلية رقم 43 لعام 1979. بالاضافة إلى ضرورة أن يجيد التواصل مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ولديه القدرة الكافية على فهم ملف الاستثمار في المحافظات جيدا، فضلا عن الخبرة والكفاءة وحل مشاكل المواطنين وإجراء جولات ميدانية لمواجهة العقبات التي تواجه تنفيذ المشروعات العامة.
و أن منصب المحافظ ليس شرفيا، ولا بد أن يكون مقاتلا وقادرا على العمل وتحريك الأجهزة داخل محافظته، لكى يشعر كل مواطن أن محافظه معه فى منزله. وبكل تأكيد هذه معايير جيدة، وهى تعكس رؤية رئيس الوزراء لما يجب أن يكون عليه المسئول التنفيذى، وتنطبق على ما يقوم به رئيس الوزراء نفسه. ولكن لا يبدو أنها كافية كمعايير لاختيار المحافظين. هناك أولا مبدأ تعيين القيادات المحلية فى حد ذاته. وقد ترك الدستور فى المادة 179 أسلوب اختيار المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية مفتوحا سواء بالانتخاب أو التعيين، يحدد ذلك قانون يصدر متعلقا بهذه المسألة، ولم يصدر هذا القانون بعد، وليس من السهل التنبؤ بموقف مجلس النواب من هذه المسألة.
لابد ان تتوافر معايير لاختيار المحافظين منها على سبيل المثال : أن يتسم بالشفافية وطهارة اليد وحسن السمعة.أن تؤهله صفاته الشخصية للمنصب.أن يكون لديه كفاءة حس سياسي وعلى دراية بقانون الإدارة المحلية ولائحته التنفيذية.أن يكون قناة اتصال جيدة بين الحكومة المركزية والمواطنين في المحافظات.أن يضع مشكلات المحافظات فى أولوياته كالنظافة والعشوائيات والباعة الجائلين والتعدى على أراضى الدولة.الشغف فى إجراء الجولات الميدانية ومتابعة العمل على أرض الواقع.أن تكون لديه رؤية وفكر اقتصادي استثماري.التعاون مع الوزارات الأخرى لعمل دفعة قوية للمشروعات القومية بالمحافظة.قدرته على مواجهة مشكلات المحافظة والتصدي لها وإيجاد حلول، بالإضافة إلى توفير خطط بديلة. الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين فى مختلف القطاعات.
فقد انخفض عدد المحافظين القادمين من مؤسسات الدولة التى كان لها فى العقود الخمسة الأخيرة النصيب الأكبر بين القيادات المحلية، وهى القوات المسلحة والشرطة والقضاء
إن رؤية القيادة السياسية في الاستعانة بالشباب في منصب نواب المحافظين ، دليلًا قوياً على توجه الدولة نحو تمكين الشباب ، واستمرار للنهج المتبع منذ عام 2014 أن تلك الخطوة حصاد للجهود الكبيرة التي بُذلت في السنوات الماضية من خلال المنصات المختلفة لتأهيل الشباب للقيادة وعلى رأسها البرنامج الرئاسي كما يُعد ذلك دليل على انفتاح الدولة على شباب السياسيين الذين يُمارسون العمل الحزبي على أرضية وطنية.
البداية كانت فى ٢٠١٤ مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية، لتتوجه بوصلة الدولة بتكليف مباشر من الرئيس إلى الشباب، ويتجمع أبناء الوطن حول بلدهم فى نقطة انطلاق لا تعرف خطأ للنهاية، فالأحلام غير محدودة، والطموحات لا تعترف بالحواجز.. «وضع الاستعداد» الذى ظل شبابنا جامدا عليه لسنوات طوال أصبح من الماضى.. لانهم الآن فى موقعهم الصحيح.. يباشرون المسئوليات ويصدرون القرارات، لهم ظهير من ثقة الدولة فيهم، ولديهم سند من دعم الرئيس السيسى بلا تناهى، تم دمجهم بالمؤسسات التنفيذية، وإفساح المجال لهم بشكل عملى على كافة الأصعدة، فبرزت تنسيقية شباب الأحزاب كمرجعية لعدد كبير من نواب المحافظين الذين أولتهم القيادة السياسية ثقتها.. وكانت التنسيقية المظلة السياسية الجامعة لهم، وقاعدة العمل الجماهيرى التى انطلقوا منها.. احتضنت أحلامهم وصقلت مواهبهم.. وأحسنت تأهيلهم.. فكان شباب التنسيقية انعكاسا لحالة الثقة فى الشباب والاعتماد عليهم، وتأكيد الشعار «سياسة بمفهوم جديد».. فخرّجت جيلا قادرا على القيادة وتحمل المسئولية، مسلحا بتأييد كل من قيادة الدولة ومؤسساتها وأجهزتها. لكن السؤال التى يطرح نفسه على الساحة هل نواب المحافظين هم محافظين الغد..!!