اعلام الزيف
بقلم/ لميس الحو
يبدوا أن العالم أجمع يعيش حالياً أحلك فترات الأعلام ، رغم التقدم التكنولوجى الهائل ، والتطور السريع لأساليب الإتصال ، والتساؤل هنا.. هل هذا التطور نقمة على البشرية قبل ان يكون نعمة ام ماذا ؟؟ فنجد كم من تزييف الحقائق والكذب والخداع يمثله اعلام بعض الفضائيات والصحف وشبكات الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي وقنوات اليوتيوب وغيرها.
كما نجد أيضاً كم من الأخبار المزيفه والمشوهة التى قد ترسم مأساة أو خيبة أمل عند قرائها على مواقع التواصل الإجتماعي، أو مقاطع فديو مفبركة وبعيدة كل البعد عن الحقائق والوقائع تثير الأشمئزاز عند مشاهدتها، ووراء ذلك الآلاف من المرتزقة الذين جٌندوا لإدارة المواقع الإلكترونية كل مهمتها التشويه، وإستخدام أسوء الأساليب لترويج الشائعات.
كانت ولا زالت قناة الجزيرة تعتبر أيقونة الأعلام المزيف، أصبح لدينا العديد من القنوات سواء الفضائية أو على السوشيال ميديا على شاكلتها، وتنتهج نفس النهج ولكن بأسماء مختلفة، وبطرق متعددة فى إتجاهات شتى وفى جميع مجالات الحياة.
تعددت القنوات الفضائية بمسميات مختلفة التى تقدم محتوى فارغ ليس له اى قيمة، ومعظمه فى العموم إعلانات لسلع تجارية بغرض ترويجها ، وجميع البرامج المعدة فى تلك القنوات تخدم هذه المنتجات وتروج لها.
اما عن البرامج الهادفة ذات المحتوى القيم فلا محل لها فى هذه القنوات ، وكذلك أنتشرت المواقع الأخبارية على شبكات الأنترنت التى تتسابق فى الوصول إلى الخبر، وتلك تؤكد واخرى تُكذب، وتتوه الحقائق بين مؤيد ومعارض .
أقحمت الكثير من القنوات الخاصة بالمواقع الأخبارية على شبكات التواصل الإجتماعي نفسها فى أسرار الناس، وأقتحمت البيوت، وانتهكت حرماتها دون حياء مستغلة بساطة الأشخاص ، وجهل العقول لمجرد عمل سبق صحفى ، وتدور الدائرة على قنوات المواقع الأخبارية الصفراء لعرض الفضائح .
الهمجية فى العرض والعمل بوسائل الأعلام، أصبح شىء مؤسف، الكثير من الغوغاء يمارسون مهنة الإعلام دون التقيد بشرف المهنة وإحترام مبادئها، وهذا أمر فى غاية الخطورة.
وهذا يأخذنا إلى تساؤل اخر ألى اين؟؟؟ ألى اين يذهبون بفكر وعقل المتلقي ؟؟ إلى أين يذهبون بثقافة وقيم مجتمع بأكمله.
فى ظل الانفتاح الإعلامى وتعدد وسائل الإعلام دون قيد ، أوجد الفرصة لكل من أراد أن يقول شيئاً، او يٌسرب فكراً يُخرب بيه العقول ويُدنس الأخلاق.
حيث شاهدنا فى الأونة الأخيرة بعض من الإعلاميين المدعين للعلم والثقافة والرؤية الثاقبة يتجاوزون ويفتون فى أمور لا شأن لهم بها مما احدث بلبلة وأثار غضب الرأى العام.
إن تحول بعض المثقفين إلى أبواق إدعائية لتأييد الباطل وتزييف الحقائق يُمزق وحدة الوطن الواحد ويشتت فكر أفراده.
أما مثقفى الميديا فيعملون على خلط الحابل بالنابل وإرباك المتلقى واحداث نوع من الفوضى.
يشهد عصرنا الحالى فورة من الفبركات الإعلامية المضللة، والأخبار الكاذبة، وحملات دعائية تضخم التافه وتسطح المهم من خلال إذاعات وفضائيات ومنصات تواصل إجتماعى وعبر مواقع الأنترنت.
انها للأسف الحرب الفكرية التى لايراق بها الدماء بل يحدث من خلالها غسل العقول بطرق مختلفة ومتعددة تُربك العقل وتُزيف الواقع، وتُحدث نوعاً من الفوضى الإجتماعية والدينية والسياسية والأمنية.
الأعلام هو الركيزة الأساسية لبناء وتقدم وتطور المجتمعات، ووسائل الأعلام تهدف إلى تثقيف الشعوب بمختلف انواع الثقافات والعلوم والفنون، حيث انها تعتبر الجهاز العصبي للعملية التنموية والتوعوية فى اى مجتمع من المجتمعات، وتشكل محوراً اساسياً فى تنمية الوعى لدى الافراد وتثقيفهم فى شتى القضايا المحلية والعالمية من خلال تغذية المجتمع بالحقائق والمعلومات واخر المستجدات.
فدورها التنموى لتنمية فكر وثقافة الافراد ينبثق من اختيار الموضوع او القضايا التى تتناسب مع منظور القيم والاعراف المجتمعية دون الأخلال بها ، بالاضافة الى اختيار الشخصيات المتخصصة والمناسبة مما يمتلكون ثقافة عالية، تجعلهم يفيدون الجمهور المتلقى بكل المعلومات الاساسية والجوهرية للموضوع المطروح، وبذلك يكون الحوار والنقاش عبر وسائل الإعلام حقق الفائدة المرجوة منه ، الا انه من الملاحظ فى الفترة الأخيرة فى الكثير من المؤسسات الإعلامية والقنوات الفضائية، تغيراً كبيراً فى المنهجية التى يقوم عليها الإعلام ووسائله وتحولها إلى سياسات أخرى، تتمثل فى على سبيل المثال انه أصبح اختيار الضيف فى البرامج التلفزيونية، يقوم على معايير مختلفة.
فالاسلوب المتبع فى اختيار الضيف قد اخذ شكلا ً مختلفة عن السابق، حيث كان من الضرورى ان يكون الشخص ذو ثقافة عالية تساعده على تقديم محتوى يؤهله للظهور الأعلامى، وتحول ذلك المعيار فى الأختيار الى معيار يتعلق بمدى نسبة المشاهدة التى يحققها الضيف، حتى وإن كانت ثقافته منخفضه، ومحتوى الموضوع واللقاء غير هادف ولا قيمة له مجتمعياً .
هذا التغيير الكبير فى السياسة الإعلامية كان له تأثيراً كبيراً على الوعى والثقافة والفكر والقيم ، ويتمثل ذلك فى تقديم شخصيات فقيرة معلوماتياً وهشة ثقافياً، وتهميش من يستحق الظهور، ويمتلك القدرة على التأثير الإيجابى فى أفراد المجتمع.
للأعلام دور خطير فى تدوير الحقائق والزج بها فى اتجاه معين او لمصلحة معينة من خلال التلاعب بالعقول ، حتى ان العقول الواعية المثقفة لم تسلم من تلك المخططات .
الأعلام هو أخطر مهنة تصنع الرأى العام وتوجهه، ولمعرفة ثقافة اى دولة ، يكون ذلك من خلال مشاهدة وسائل إعلامها وتحليلها.
للأعلام اهمية كبيرة منذ القدم وتزداد هذه الأهمية خطورة وضرورة نظراً الى محاولات اطراف مختلفة الإستفادة من الاعلام كحربة لتمرير مخططاتهم، وتحقيق مكاسب وغايات خاصة.
الإعلام يجب ان يكون منبراً للرسائل الهادفة والحقائق الصادقة التى تعود بالنفع على المجتمع.
لذا لابد وان يكون هناك ضوابط لضبط سبل التعبير عن الرأى بقوانين تحافظ على سلامة المجتمع، دون المساس بحرياته التى يكفلها له القانون.