كلنا مدمنون
بقلم / ا د محمد ابراهيم طه
جامعة طنطا
ليس هناك أغرب من عادة شرب الدخان .. أن يصرف رجل عاقل نقوده في إحراق بعض المخلفات و استنشاق دخانها اللاسع الخانق الكريه قصة بلهاء من خمس دقائق تبدأ بشطة عود كبريت ، ثم حركات استعراضية من رجل عجيب يأخذ أوضاعاً بهلوانية في كرسيه و يسترخي و يسرح و يشفط و ينفخ و يسعل و يبصق . رجل مخبول تماماً .. و لكن هذا المخبول هو كل الناس .. كل الناس ينتحرون لسبب غير مفهوم .. العملة الصعبة التي تنفق في استيراد التبغ و السيجار و المعسل في العالم كافية لحل مشاكل المجاعة و الفقر و الجهل و المرض .. و الإنسان المجنون ابتكر وسائل انتحار أخرى .. غير التبغ ، مثل الأفيون ، و الحشيش ، و الكوكايين ، و الهيرويين ، و عقار الهلوسة و الخمور بأنواعها .. و لم يكتف بهذا فاخترع أسلحة القتل السريع الأكيد مثل الرصاصة ، و القنبلة ، و الغاز السام . ثم عاد فابتكر الأعذار و المبررات الجاهزة للقتل .. مثل الصراع الطبقي و تغيير التاريخ ، و إنقاذ الحرية ! و الحرية ذاتها كانت دائماً هي المخدر الأكبر .. المدخن يقول لك : أنا أدخن لأني حر . و مدمن المخدرات يقول لك : أنا حر . و الذي يطلق أول رصاصة يطلقها ليكون حراً و دائماً الحرية هي أول ما تجهز عليه هذه الأسلحة .. و دائماً الحرية هي الضحية .. و الإنسان القاتل و المقتول هما الضحية .. و الجنون العام هو الحقيقة .. و هو طابع هذا الإنسان العاقل اللامعقول اللغز ….