المرايا المعتمة … بقلم / لميس الحو

المرايا المعتمة

بقلم / لميس الحو

 

لكل إنسان مرآة يرى نفسه فيها على حقيقتها، حتى وإن أبدى حُسناً وجمالاً أو تكلفاً وتصنُعاً أو احتراماً ورقياً أو نفاقاً وتملقاً، فهو بالنهاية يقف أمام مرآته متجرداً من كل شىء، يرى نفسه بوضوح تام ربما يستحسنُها وربما يُحاسبها ويُعاتبُها، كلٍ على حسب نوع مرآته، فهناك نوعان من المرايا، مرايا شفافة ومرايا معتمة، أما عن المرايا الشفافة فهى عاكسة لشخصية الإنسان كما هى بوضوح بكل مميزاتها وعيوبها، فمن يمتلك مثل هذا النوع من المرايا يتيسر له رؤية نفسه على حقيقتها ، وبالتالى محاسبتها على كل كبيرة وصغيرة، مما يدعو إلى المصالحة مع النفس بشكل مستمر، وإصلاح حاله بصفة دائمة، وهذا الإنسان يقترب إلى حد كبير من السواء، أى يقترب من الطبيعة الإنسانية وما يجب ان يكون عليه الإنسان بصفاته وخصاله الطبيعية السوية والتى تتمثل فى تجديد الثقة المستمره بذاته وتحسين علاقاته مع الأخرين، والوقوف على الإيجابيات والسلبيات فى حياته ليؤكد على الإيجابيات ويدعمها، ويتلاشى السلبيات ويبتعد عنها ويتجنبها.

الإنسان الذى يرى نفسه بوضوح يتعامل مع الناس بصدق وإخلاص ونية صافية سليمة، ضميره دائماً يقظ ، يمشى بخطى ثابته لايخاف لومة لائم ولاإفتراء ظالم، يُعطى لنفسه قدرها لا زيادة ولا نقصان، لا مزايداً ولا مُقلاً ، من يرى نفسه بوضوح يرى الأخرين دائماً بنفس الوضوح، يثبر غورهم، ويكشف عن دواخلهم، لديه رؤية ثاقبه للأمور، لديه وجه واحد للحقيقة لا وجوه كثيرة ، يَصدُق من حوله القول والفعل دائماً لأنه ينتهج مبدأ الصراحة والوضوح فى كل الأحوال ومع كل الأشخاص، لا يتجمل ولا يتأنق ولا يتصنع بما ليس فيه ، له هدف واضح فى الحياة يسعى إليه ويبذل الجهد لتحقيقه.

أما أصحاب المرايا المعتمة يرون أنفسهم بصور مزيفة لامعه أحياناً باهته أحياناً أخرى ، لكنهم لايرون حقيقتهم مطلقاً ، حيث أنهم يصنعون لأنفسهم بريقأً يختبئون ورائه ، ويصدقون مرآتهم الكاذبة وعيونهم غافلة عن عيوبهم، ُيزين الشيطان لهم سيئاتهم حسنات، يرون اخطائهم دروساً تُدرس فى الجامعات، لا يسمعون لنصائح الغير، ولا ينصاعون لأرشادات الآخرين ممن هم اكثر خبرة ومعرفة، فهؤلاء يرون أنفسهم دائماً أهل الخبرة والعلم والثقافة ويدعون المعرفة فى كثير من الأمور.

يخدعون أنفسهم  ويتوهمون حقيقتهم وامكانياتهم وظروفهم على نحو مخالف للواقع ولكن بشكل يتفق مع هواهم ورغباتهم.

هؤلاء الذين يرون أنفسهم دائماً فى مرايهم الخادعة يضللون أنفسهم، ويتصورون أنهم اذكى من خلق الله وأنهم ُمنهمكون فى اعمالهم بشدة، حتى أنهم لا يستطيعون ان يمدوا يد العون للآخرين، وأن لهم من المكانة والقيمة والسمو والرفعة ما يجعلهم يشعرون أنهم خلق أخر، يتسمون بالتحيز فى التفكير والتحيز فى إبداء الآراء والتحيز فى استعادة الذكريات وإختلاق الأحداث والمواقف كما يتراءى لهم.

أصحاب المرايا المعتمة لا يرون الا انفسهم، يتصفون بالأنانية الشديدة، لديهم الأنا دائماً متضخمة إلى حد كبير يرون انهم محور اهتمام الكون، والجميع فى حاجة دائمة اليهم، يرون أنفسهم اكثر ذكاءاً وقدرة ومهارة، وأحياناً ما تخدُم لباقتهم وطلاقتهم فى الحديث كل هذه الصفات الغير محمودة ، يضعون انفسهم فى برج عالى ينظرون إلى الاخرين من علياء .

إنجازاتهم لأنفسهم والفائدة العائدة منها لهم فقط دون غيرهم.

الحقائق واضحة أمامهم وضوح الشمس ولكن لعتمة مراياهم لا يرونها حتى أنهم لا يفرقون بين حلال وحرام بمنتهى القناعة، ويبررون عيوبهم وأخطائهم بمنتهى البراعة.

أيها المُغيبون عن حقيقتكم صفوا نواياكم وأصلحوا ذواتكم وأفيقوا من غفلتكم وارجعوا إلى يوم تُحاسبون بحقيقتكم وليس كما ترون.

مهما كانت المرايا معتمة دائماً هناك ثقب من نور اجعلوه ينفذ إلى قلوبكم وعقولكم لعلكم تتقون، لان أسوء أنواع الخديعة ، ان يخدع الإنسان نفسه ويراها عكس ما تبدو عليه.

 

شاهد أيضاً

انطلاق مؤتمر هندسة القوى الميكانيكية الدولي الأول تحت عنوان “استدامة وترشيد الطاقة” بمدينة الإسماعيلية

بحضور القائم بأعمال رئيس جامعة طنطا ولفيف من القيادات الجامعية وممثلي القطاع الصناعي: انطلاق مؤتمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *