حبيس الروح
بقلم / لميس الحو
اتدرون من هو حبيس الروح ، هو ذلك الإنسان الذى يشعر أنه كالطائر المقيد داخل قفص حديدى ، وراء قضبان ضيقة، وهو يمتلك جميع مقومات التحليق والطيران ، ولكن عاجز لا يستطيع حتى الحركة مكبل التفكير- ضعيف الأرادة – مهزوم – خائر القوى والعزيمة.
هو ذلك الإنسان الذى يترك من حوله يتحكم فيه وفى حياته وفى قراراته، وهو لا حول له ولا قوة.
هو من يدور فى حلقة مفرغة فاقد الهوية والمحتوى، هو من يشعر ان الكون كله أصبح نقطة سوداء، هو فاقد الشيء الذى يعطيه بسخاء وعن حب ورضا للآخرين ولا يجد اى تقدير، هو الذى يفتقد الحب ويفتقر الى الأهتمام ، هو ذلك الشخص الذى يعاني من سوء فهم الأخرين له دائماً .
هو الذى يشعر انه ملك للغير وروحه فى يد غيره يتحكم فى النفس الذى يتنفسه.
وغالباً ما يكون هذا الإنسان كالطائر الجميل اذا ما أطلق صراحه يطير فوق الأغصان ويغرد بأعذب الألحان، ويملك من القدرات والإمكانيات ما يفوق الحد والخيال.
حبيس الروح هو ذلك الإنسان الذى يعيش حالة من الشتات بين قبول وتسليم وبين تمرد وإعتراض ، يقف دائماً على خط النار فى الإحساس والفكر والشعور ، لتنهش النار المشتعلة هشاشة الروح رويدا رويداً، بعد ضياع كل الاختيارات الهامة فى الحياة، لا هدنة تلوح من بعيد ولا أحد يشعر به، رغم كونه شمعة تحترق من أجل الأخرين دائماً ، ولكن دون جدوى او فائدة، وكأنه كلما زاد فى تضحياته، كلما زادوا طمعاً فيه، واحتكاراً لمجهوداته، وكبتاً لمشاعره ، وإزلالاً لنفسه .
حبيس الروح هو ذلك الإنسان الصلب الهش، الذى يُظهر قوة خارجية، ليخفى بها ضعف داخلي، وبرودة تصل الى خلجات النفس لا تكفيها دفء ألالاف المصابيح، وعتمة تصل إلى أعماق الروح لا تكفيها إضاءة ألالاف الشموع.
هو من يشعر بالوحدة وسط جموع البشر، ويشعر بإزدحام الأفكار التى تتواتر إلى ذهنه لتفتك به .
حبيس الروح هو ذلك الإنسان الذى تجرى مقاديره فى مياه راكده لا تتغير ولا تتبدل، ولا يرى فيها بريق من أمل يجدد فى روحه الحياة.
هناك ارواح تشعر ان الحياة سجن كبير، يسجن الإنسان نفسه فيها حياً غير قادر على الحياة، تمر عليه الأيام تلو الايام يمارس حياته الطبيعية يأكل ويشرب ويتعامل مع الأخرين دون احساس، يعيش فقط فى احضان الذكريات بحلوها ومرها.
وهناك أرواح تُسجن داخل جسد ضيق تتأرجح بين تقلبات الأيام، وتصاريف القدر، لا تدرى ماذا تريد ، وما هو هدفها فى الحياة وما تتمنى وتحلم به ، وارواح تتخللها اليأس والألم ذهدت فى الدنيا وضاقت بحظها العثر فيها .
وهناك أرواح حبيسة مشاعرها تنسج منها خيوطاً شائكة ، تختبىء ورائها الروح العاشقة والقلب الأسير لحب لم يقدر حبه ويستهين بمشاعره، حتى تفنى روحه.
ونجد أرواحاً أخرى حبيسة المصلحة، لايرى الانسان الا نفسه مُقيد بأنانيته المفرطه، لا يعنيه شيئاً سوى الوصول إلى غايته حتى ولو على حساب الأخرين.
وارواح تُسجن وراء سجن العقل الجامد وقيد الفكر المتحجر وهى اشد من القضبان الحديدية قسوة، حيث تقع الروح اسيرة الأفكار البالية العقيمة، والتفكير المعقد الصارم الذى يحجب عنها نور الحرية.
لقد خلقنا الله ارواحاً تسبح فى ملكوته فى سلام ، وخلق لنا العقل كى ُُ يُسيرها دون ان يعذبها بالإيمان وتقوى الله – بالصبر على البلاء- بالعقل السليم – بالنفس الراضية المطمئنة لاقدار الله .
فنحن من نختار بما اوتينا من عقل منا الله علينا به عن سائر المخلوقات ان نحبس ارواحنا وراء قيود أم نطلق لها العنان.
أطلقوا سراح أرواحكم وفكوا أسرها، وأذهبوا بها حيث ترتاح وتهدأ.
أعاذنا الله وأياكم من ضيق النفس وقبضة القلب و عتمة الروح .