رسالة من العالم الأخر
بقلم / رءوف مصطفى
قمت مبكرا قبل الشروق كعادتي أتنقل بين جنبات مدينتي والتي تكاد تخلو من المارة إلا من رحم ربي، فرأيت أحدهم يلطم ولده صفعات تلو الأخرى تكاد تصك أذني بلارحمة صائحا: مش عايز تشتري سجاير ليه وأنا بصرف علي شحط زيك “والغلام يدفع عن نفسه بسباب قاس للأب فتخطيتهما غير عابئ قائلا في نفسي: لا الأب صالح ولاولده كذلك ثم تدبرت موقفي فوجدتني غير صالح أنا أيضا لموقفي السلبي وواصلت طريقي لأجد أحدهم يحقن صديقه ظاهر من المشهد أنها مخدرات وللمرة الثانية أتخطاهما دون أن أبدي أي رد فعل وكأنه أمر طبيعي قائلا في نفسي: ليسا صالحين وللأسف ولا أنا لأنني اعتبرته أمرا طبيعيا رغم فداحة الجرم، وأواصل خطواتي في الطرقات رغم تزايد نوع من تأنيب الضمير لأجد أمامي شاب يحدث نفسه ويشيح بيده يمينا مرة ويسارا تارة ومبتسما حينا وباكيا حينا فعلمت أنه ألم نفسي وللمرة الثالثة أواصل طريقي غير مهتم ولكن في هذه ازداد الجلد النفسي من ضميري حتي قررت الذهاب إلي المقابر لأهدئ من نفسي واقرأ الفاتحة لوالدي، وعندما وقفت امام القبر إذا بشاب يسألني: لماذا تقف هنا؟! فقلت أقرأ الفاتحة! فقال: اقرأها في بيتك، فقلت الزيارة تذكر الإنسان بآخرته فيتعظ، فبادرني قائلا: لن تتعظ، قلت: لماذا تدفعني إلي اليأس من رحمة الله؟! فنهرني قائلا: أنت نموذج لكل هؤلاء البشر، الرياء سمتكم، وأكل الحرام شعاركم، والمال إلهكم، والتشهير والشماتة في الآخرين مبدؤكم، ورجالكم نساء، ونساؤكم رجال، كباركم صغار، وصغاركم كبار، تأكلون لحومكم بلارحمة، وتعظمون فجاركم بلاخجل، المصالح عنوانكم فتنصتون لأصحابها، والحقوق ضائعة لأنكم تلذذتم بأكلها، عد لقومك وأخبرهم بماحدثتك ربما ينصلح حالكم. فنظرت إلي الأرض مخزيا من قوة كلماته ورفعت رأسي مرة أخري لأطلب منه أن يزيدني وإذا بي لاأجده فارتعدت فرائسي وفررت مهرولا…