المنطقة الرمادية
بقلم / لميس الحو
يمر الإنسان فى رحلة الحياة، وعلى درب العمر احياناً بمرحلة تسمى بالمنطقة الرمادية، أو فترة الشتات سواء كان شتاتاً فكرياً أو نفسياً أو روحياً ، هى مرحلة يكون فيها الإنسان فى حالة تمرد على وضعه الحالى ولكن لا يستطيع التنفيس عن نفسه ، يكون فى حالة إحتياج للتغيير ولكن لا يقوى عليه ، يكون فى حالة ثورة داخلية ولكنها خامدة لحين اشتعالها ، ويكون ايضاً مقيد ومكبل بسلاسل الظروف والأفكار البالية التى تفرض نفسها عليه كجزء من ثقافة المجتمع وبطبيعة الحال الفرد جزء من هذا المجتمع الذى ينصهر فيه ويتأثر بثقافته ومعتقداته التى قد تتعارض مع حريته الشخصية احياناً وقد تتنافى بالجهل والتقيد بالفكر المتجمد والأفكار الخاطئة مع الشريعة الإسلامية التى نسير عليها ونحتكم بها احيانا اخرى وكأن العرف والعادات والتقاليد والافكار الجامدة اختلطت بالدين واصبحت هى التى تحكمنا ، المنطقة الرمادية التى يمر بها الإنسان والغير محددة الملامح هى حالة إنسانية قد تحدث فى مرحلة منتصف العمر يعبر إليها الإنسان من مرحلة الشباب حيث القوة والحماسة والثقة والإقدام والقدرة على الأفعال لا الأقوال مرورا بها إلى مرحلة النضج والرصانة والعقل والاتزان والميل الى التفكير والتدبير قبل الافعال.
قد يعبر الإنسان من مرحلة الشباب الى مرحلة النضج دون ان يسقط فى بئر الحرمان والندم على اشياء كان يريد فعلها ولم يفعلها، وأشياء كان يريدها ويتمناها ولم يستطع الوصول إليها حيث يقف عاجزاً امامها لأسباب كثيرة منها الخوف وعدم القدرة على الشجاعة والإقدام والتعود على الانهزام والتشبث بالآراء المتصلبة.
فى هذه الحياة، كيف علينا ان نختار، سؤال دائماً ما يتبادر إلى اذهاننا.
ففى كل يوم يقف الأنسان أمام إختيارات صغيرة تأخذه بالتراكم إلى إختيارات أكبر وأهم، فأختياراتنا لنوعية الطعام الذى نتناوله والملبس الذى نرتديه سيحدد لنا طريقة إختياراتنا المصيرية ، فهل نأكل ما نريده ونرتدى ما يريده الاخرون، ام اننا نأكل ما نريده ونرتدى ما نريده بغض النظر عن آراء الاخرون .
الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بعوامل كثيرة منها التربية الأسرية ومنها عوامل نفسية تتعلق برغبة الفرد فى إرضاء من حوله على حساب نفسه، والتعود على التضحية من اجل الأخرين، فإذا كانت رغبتك فى الحياة هى ان يحبك الاخرون ويرضون عنك ، فبالتالي ستكون كل اختياراتك فى الحياة يحددها هدف واحد وهو إرضاء الأخرين، وحينها لن تختار ابدا ما تحبه بسبب التعود على اختيارات مقبولة لدى من حولك فقط ، ودائماً ما يصيبك الندم والصراع الداخلى بين ما تريده وبين ما يريده الاخرون، ويتزايد هذا الصراع مع كبر حجم الاختيارات وخطورتها ليتحول الى وخذه فى القلب وتشتت فى العقل وزهقه فى الروح فى كل مره تتعرض لموقف اختيار ولا يسمح لك بالاختيار.
من يتشبثون بالوقوف فى المنطقة الرمادية فى حياتهم لا يتقدمون خطوة ولا يتقهقرون ويرضون دائماً بالحلول الوسطى، والمواقف الباهته المتجمدة، لأنهم عاجزون عن إتخاذ اى قرارات تمكنهم من تحقيق أهدافهم – أحلامهم – امانيهم – إشباع احتياحاتهم.
فالمنطقة الرمادية تشبه قدومك الى الحياة ، ومن ثم تقرر الا تعيشها كما يجب ان تكون ، وتهدر حق نفسك فى الحياة كإنسان له حرية الاختيار فى كل أمور حياته.
وبالتالى تصبح روحك وقلبك ممزقين بين اتجاهين أحدهما تريده وتتمناه والاخر مغصوب عليه وتصبح التضحية مجرد تعود رغماً عن النفس ، وفيها الكثير من إنكار الذات
والاحتياج فالتضحية المستمرة ماهى الا قلة حيلة امام قوى الضغط سواء كانت من الظروف او الاشخاص وكلاهما يتلاشى بقوة الأرادة والثبات والشجاعه والقدرة على اتخاذ القرار والاختيار لتحقيق الاستقرار النفسي والجسدى والمعنوى والحسي .
إذهب الى حيث تهدأ وتسكن روحك حتى لا تتعذب بها وتعذبها مدى الحياه.