ثورة غضب الطبيعة
بقلم /أشرف عبوده
لقد عجز الإنسان منذ فجر التاريخ عن إيقاف الكوارث الطبيعية ومنع حدوثها برغم ما حدث من تقدم علمى وتكنولوجيا فى وسائل التنبؤ بالزلازل والعواصف والسيول والبراكين والأعاصير.
عندما تغضب الطبيعة لا يستطيع أن يقف أمامها شيء وهناك دول لم يعد لها وجود على الخريطة وأشخاص لم يعد لهم أُثر.. عندما تزمجر الطبيعة وتكشف عن غضبها يكون الصمت والذهول والدهشة هو المصاحب للبكاء والفزع والهلع ولا يقطع الصمت المطبق على كل من كان فى مكان الكارثة سوى التوسل بالدعاء من أجل تخفيف المصائب التى باغتت الناس على حين غرة .. وفيما يبدو فإن الطبيعة أشبه بالشخص الحليم ونحن فى أمثالنا الشعبية نقول: «اتق شر الحليم إذا غضب» ونفس الأمر ينطبق على الطبيعة التى تتعرض لاستفزازات وانتهاكات تصنع هذا الغضب المدمر!
في ظل وجود تحذيرات من تغيّرات مناخية قاسية تلقي بظلالها القاتمة على كوكبنا الأرضي ، لقد كشف التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أن العديد من البلدان العربية ستتأثر بهذه التغيّرات التي ستؤدي إلى زيادة التصحر وتدهور الأراضي ونقص في موارد المياه وانخفاض المحاصيل الزراعية والتأثر السلبي للثروة السمكية، ما يتسبّب في تهديد الأمن الغذائي، وأشارت الهيئة إلى أن البلدان العربية هي من أكثر بلدان العالم تعرضاً للتأثيرات المحتملة لتغيّر المناخ وهي ارتفاع معدل درجات الحرارة، وانخفاض كمية الأمطار، وارتفاع مستويات البحار وتضاؤل الموارد المائية، في وجود مؤشرات إلى أن شح المياه في العالم العربي سيصل إلى مستويات خطيرة بحلول سنة 2025 .
ستظل الدول العربية الواقعة على الصفيحة الآسيوية وهي بلاد الشام والعراق والخليج العربي أقل عرضة للهزات الأرضية من بقية الدول الواقعة على الصفيحة الإفريقية مثل المغرب والجزائر، وقد شهدت عدد من دول الوطن العربي خلال العقود الماضية عدة زلازل عنيفة، أدت إلى مقتل آلاف الأشخاص وتدمير بعض البنية التحتية.
لا يمر 2023 كعام عادي على العرب، بعد أن باغتهم بكوارث طبيعية غير مألوفة في توقيتها وشدتها، وسجل حتى الآن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص في 3 دول منذ فبراير الماضي.
وحاليا يشهد العالم موجه عنيفة من التغيرات المناخية التي تسبب في العديد من الكوارث الطبيعية، متمثلة في أكبر موجه حرائق الغابات، إلى جانب فيضانات وزلازل تضرب مناطق شرق ووسط أسيا وتتعرض دول الشرق الأوسط بين الحين والآخر لهزات أرضية لوقوعها في مناطق نشاط زلزالي
لقد شهدت سوريا وليبيا والمغرب في أوقات مختلفة من العام زلازل وعواصف أودت بحياة الآلاف، وأصيب وتم فقد آلاف آخرين.
ففي 6 فبراير الماضي، شهدت سوريا زلزالا بقوة 7.8 درجة بمقياس ريختر (مركزه تركيا المجاورة)، أسقط نحو 6000 قتيل وآلاف المصابين.
بعد 6 أشهر، باغت زلزال آخر المغرب في 8 سبتمبر بقوة 7.2 درجة، أوقع حتى اللحظة أكثر من 2800 قتيل، بينما لا تزال جهود الإنقاذ قائمة حتى اللحظة.
في ليبيا، ضربت عاصفة “دانيال” الممطرة عدة مدن، خاصة في الشرق، وفيما لا يزال الحصر النهائي للضحايا غير واضح، ، قضى بعضهم تحت المباني المنهارة، وجرفت السيول والفيضانات الآخرين، وسط اختفاء أحياء بكاملها تحت الماء في مدينتي درنة والبيضاء.
ان هذه الكوارث بأنها “شيء نادر الحدوث”، فالمغرب “ليس منطقة نشطة للزلازل، وليبيا العواصف تأتيها ضعيفة أو متوسطة”. بالنظر لمنطقة الحوز المغربية (مركز الزلزال الأخير) فهي دائما تشهد تحرك صفيحتين أرضيتين بشكل متناقض، لكن هذه المرة حدث انحدار شديد ومفاجئ تسبب في هذه الكارثة، وهذا شيء نادر، ولم يحدث إلا مرتين خلال قرن.
أما في ليبيا فهي دولة ساحلية، وغالبا ما تتعرض لنوات وأعاصير قادمة من أوروبا ومصحوبة بمنخفضات جوية، وكانت أوروبا هي من تشهد ذروة هذه الأعاصير، لكن من الغريب أن تصل لذروتها لداخل ليبيا.
ما حدث في ليبيا أكبر بكثير من كونه عاصفة، والأصح أن نطلق عليه إعصارا مدمرا.
إذًا، نحن أمام تغير حاد الآن في طبيعة الكوارث، والتي أصبحت كذلك أكثر حدة.
طبيعة الأرض باتت مختلفة تماما، وهيئات الأرصاد والمسح الجيولوجي حول العالم في حيرة مما يحدث، والفيضانات والرياح باتت تأتي في غير محلها.
إذًا، هناك ضرورة للاستعانة بخبرات الدول التي تعرضت لمثل هذه الكوارث في أسرع وقت، واليابان وأميركا الأكثر خبرة في ذلك.
ولا شيء يخفف على الناس آلامهم من جراء غضب الطبيعة سوى قوة الإيمان الذى يقتل اليأس ويجدد روح التفاؤل ولسان الحال يقول «رب كارثة ألمت بنا كانت فى حدود احتمالنا ولو أننا اطلعنا على الغيب لأدركنا أن الله كان لطيفا بنا»!