الفرارجي من برج القاهرة إلى برج إيفل
(من التَّخفّي إلى البَوحِ)
كتب – سمر عبوده
استضاف صالون عرفا ت الثقافي اد فتحيه الفرارجي وبادارة الاديب القدير محمود عرفات واد محمد عمر استاذ الادب والنقد بكليه الاداب وعميد كليه الدمج وحضور اللواء اد توفيق منصور ود احمد منصور والكاتب الحسيني عبد العال وقامات ثقافيه كبيرهل , لمناقشة كتابها بين النبل والسين:رحلة القاهره لباريس الساهره وندوه بعنوان فتحية الفرارجي والادب النسوي
حيث قال ا.د. محمد عمر استاذ الأدب والنقد – في بعض الأنواع الأدبيَّة يواجه المبدعُ حُصُرًا كثيرةً، تمنعه من البوح الإبداعيّ؛ كالسّيرة الذَّاتيَّة التي لايملكها وحده، بل يظل جزءًا من سيرة الآخرين، وفي السرد الرّحليّ، أيضًا، وبخاصَّة النّسويّ.
ومن ثمَّ؛ فَكيف تستطيع أستاذة جامعيَّة في كليَّة التّربيَّة أن تسرد لنا رحلتها في منحة لدولة أوربيَّة ، وتصف ماشاهدته بصدق وأمانة، مخترقة حصر الاختلاف الدّيني، ومواضعات المجتمع، والتّباين الثّقافيّ، ومزالق المقارنات السّياسيَّة والقانونيَّة، وقضايا الحريَّة الشّخصيَّة، وحقوق المرأة والطّفل والحيوان، وسواها من المسكوت عنه في السّرد عمومًا، بله السّرد النّسويّ الذي قد تكون حجبه مضاعفة أضعافا كثيرة…؟!
والسّؤال: هل أفلتت البروفيسور Profdr Fatheya Al Fararguyفتحية الفرارجي من كلّ هذا حين وضعت ميثاقًا كتابيًّا لسرد رحلتها إلى باريس” “بين النيل والسين:رحلة القاهرة لباريس الساهرة”،؟!
وضعت الفرارجي ميثاق الكتابة في مجموعة من التّساؤلات: من أنا؟ وماذا أريد؟ ومن هؤلاء؟ وما علاقتي بالمرتحل إليهم؟ وما هدفي من ارتحالي؟ وما الفارق الجوهريّ بين الأنا والآخر؟
ثم وضعت مجموعة من التّساؤلات الأهم:
مَنْ يصنعُ مَنْ: الإنسان أم بيئته هي التي تصنعه؟ وكيفَ نحدّد نوايانا قبل الرحلة؟ وما هي جذورنا الممتدَّة في تربة الوطن: أنثربولوجيًّا، وثقافيًّا، ودينيًّا؟ أيمكن اقتلاعها بفعل العواصف الحضاريَّة؟ أم أنها عميقة ممتدَّة لا يمكن اقتلاعها؟
من أهم حصر السَّرد التي يكثر فيها المسكوت عنه مناطق التّذويت السّردي التي تحكي فيها ساردة دكتورة تربويّة عن لحظات ضعفها أمام مشاعر السّفر بعيدًا عن الأسرة والأهل والأصدقاء، ومواجهة واقع غريب مختلف، يصعب على الرّجال مواجهة صعوباته الكثيرة والتّأقلم معه… ولكنّها جنحت إلى تثوير المناطق الأقوى في نفسها من المثل العليا التي نشأت عليها، ووصايا الوالدين، والخصال الحميدة المكتسبة من الدين والتربية والبيئة الصالحة المطمئنة التي تواجه الصعوبات في ثقة وطمأنينة وإيمان بانتصار قيم الحق والخير والجمال في عاصمة الدّنيا ومدينة النور التي وضعت هذه القيم شعارًا لها.
وكان من المتوقَّع أن يوقعها هذا المنزع الديداكتيكيّ(مصطلح يعني يعلم بعضنا بعضًا؛ أي أتعلم منك، وأعلمك أيضًا) أن يجعل من نصها خطابيًّا وعظيًّا لارُوح فيه، ولكنها اخترقت حجب السَّرد بلغة مجازيَّة؛ بوصفها شاعرة مبدعة، كما استعانت بحشد مجموعة كبيرة من التّساؤلات لتترك لخيال المتلقّي فضاء رحبًا في أن يكمل الصورة حسب ما يتراءى له؛ إيمانًا منها بأنّها تكتب نصًّا مخاتلًا، يتأرجح بين الحقيقة والتّخييل؛ فتكتفي بالوصف، ثم تترك المقارنة لقارئها عبر تساؤلاتها المفتوحة على كل الاحتمالات؛ مما أكسب نصّها انفتاحًا في الرؤية وشعريَّة في الأسلوب.
ومن التساؤلات الاجتماعيّة ما نجده من مقارنتها بين شيخوخة شبابنا وشباب شيوخهم، وتعاملنا مع النّظافة، والنّظام، والمواعيد، والانضباط في العمل، والضّمير الحيّ بعيدًا عن التّمسح في الدّين، والتّبرير زورًا وبهتانًا به مع وضدّ بالآيات والأحاديث حسب توجّهاتنا….!
ومنها ما أثارته حول ما أحدثته وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وأثبتته الأبحاث المختلفة التي تتبعتها في تخصصات مختلفة حول الآثار السلبيّة لهذه الوسائل، كالنرجسيَّة المرضيَة؛ بتمحور الأشخاص حول أنفسهم بنشر صورهم وأخبارهم بصورة دفعتهم للتّوحّد، والاغتراب بدلا من التّواصل والاندماج…
ولأن النّص الرّحلي نص هجين مفتوح أرخبيليّ عابر للأنواع؛ فقد حوى نصّها الماتع تضفيرًا عبقريًّا من الشّعر بأنواعه، والرّسائل، والسّير والمذكرات والمقالات، والصور، والبورتريهات..إلخ.
وضعتنا الفرارجي أمام نص رحليّ نسويّ مدهش لمدينة النُّور والجمال والسّحر، مدينة الجن والملائكة؛ فضار نصُّها امتدادًا ثقافيًّا لنصوص الطهطاويّ، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، وصولا لأحمد عطية الله، وعبدالستار الطويلة، ووفاء عوض وغيرهم من الذين نقلونا من الزّاوية الضّيقة التي نرى فيها أنفسنا بشكل مصغّر مبسط،ولكنَّه سطحي ساذج وخادع إلى صورتنا مكبرة في مواجهة الآخر المختلف؛ لنقف أمام أنفسنا وقفة صدق في محاولة للإجابة التي طرحتها الفرارجي في ميثاق رحلتها آنفًا؛ كما تعلن في كلمة الختام:
” يمكن أن ترى “زهرة” على شبكة المعلومات، ونَعرفُ منها الكثير، ونراها مطبوعةً على صفحاتِ الكتبِ والمجلَّات والموسوعات، ولكن، هل سيختلفُ الحالُ، أو لمسنا أوراقها، وشاهدنا، قصتها والتربة التي تغرس فيها جذورها، ولو استنشقنا رحيقَها، وتلمَّسنا درجة حرارة أرضِها وقتَ شُروق الشَّمس عليها ووقت غرُوبها والأوقاتِ التي تغطّيها السَّماء بالسُّحُبِ، وترويها الأمطارُ؟
بالقَاهِرَةِ النيل..بِبَارِيسَ السِّين، بالقاهرة برج القَاهِرَةِ ، بِبَارِيسَ برج إِيڤل… بالقَاهِرَةِ المتحفُ المصريُّ… بِبَارِيسَ متحف اللُّوڤر…. بالقَاهِرَةِ جامعة القَاهِرَةِ… بِبَارِيسَ جامعة السُّوربون… رُبَّما اختلفَ تاريخُ الإنشاء؟
ومن المنهجيَّةِ في بناء التَّفكير العلميّ والثقافةِ المكتبيةِ والثقافةِ البيئيَّةِ وتنميةِ الحِسِّ الأدبيِّ والتَّربية الجماليَّة وتأخير الازدواجيَّة الثَّقافيَّة ينمو أَطْفَالٌ وأَطْفَالٌ؛ فَمِصرُ ولَّادةٌ بأبنائِها الحاصلينَ على نُوبل: السَّادات عام ١٩٧٨م، ونجيب محفوظ عام ۱۹۸۸م، وأحمد زويل عام ١٩٩٩م… وغيرهم.
بِبَارِيسَ النَّظافةُ وليسَ عليهم الوضوءُ خمسَ مرَّاتٍ، والقاهرة..ما حالُها وهي تتوضَّأ خمسَ مرَّاتٍ يوميًّا؟!”
هكذا تضعنا الفرارجي أمام التّساؤلات المصيريَّة في سعينا نحو نهضتنا، وكيفيَّة إفادتنا من الآخر المختلف الذي لم يمنعه اختلافه من أن يزيّن عاصمة بلاده بالمسلات والتّماثيل والمتاحف والصور المصريَّة، بل أسماء الشّوارع؛ مستثمرًا كلّ ما يمكنه استثماره ليبهر الآخرين حتّى بما أخذه منهم…!
خالص التّحية والتّقدير والامتنان لهذه الأستاذة الجامعيَّة القديرة فتحية الفرارجي على هذا النّصّ الذي جمع بين المتعة والفائدة في آنٍ؛ ممَّا جعله جديرا بالقراءة أكثر من مرةً حسب ما تريده منه، وتوجّهك، وثقافتك، وقدرتك في الإجابة على تساؤلاته المثيرة المدهشة التي ستظل صالحة لعقود قادمة؛ كما أظن…!